والكتاب اسم للنقوش الدالة على الألفاظ الموضوعة لمعانيها، وجليل نعت له، ومعناه عظيم الشأن، لما اشتمل على الأحكام النفيسة مع سهولة الألفاظ وعذوبتها واختصارها اختصارًا لا يخل بالمعاني. ومعنى اقتطفته إلخ أخذته وجمعته من معاني مختصر الإمام الجليل أبي الضياء خليل بن إسحاق، كان مع وفور علمه من الأولياء العارفين بالله تعالى كشيخه الإمام سيدي عبد الله المنوفي - رضي الله تعالى عنهم - وعنا بهم، وقد شبه المختصر المذكور بروضة مثمرة.
وذكر الثمار تخييل للمكنية (في مذهب إمام أئمة دار التنزيل) في مذهب نعت للمختصر المذكور أي الكائن ذلك المختصر في مذهب إمام أئمة دار التنزيل، وهي المدينة المنورة، والتنزيل: القرآن العظيم، والمراد به مالك بن أنس،
ــ
الخارجية الدالة على المعاني المخصوصة فبحث فيه بأنها أعراض تنقضي بمجرد النطق بها، والحق أنه عائد على ما في الذهن، واسم الإشارة في كلام المصنف مبتدأ وكتاب خبر. وإن قلت ما في الذهن مجمل والكتاب اسم للمفصل فلا يصح الإخبار. أجيب بأن في الكلام حذف مضاف أي مفصل هذا كتاب. فإن قلت: ما في ذهن المؤلف جزئي والكتاب اسم لما في ذهن المؤلف وغيره فيلزم عليه الإخبار بالكلي عن الجزئي. أجيب بأن في العبارة حذف مضاف ثان. أي مفصل نوع هذا كتاب. والإشكال الأول لا يرد إلا على تسليم أن الذهن لا يقوم به المفصل، وعلى تسليم أن الكتاب لا يكون اسمًا للمجمل، وعلى تسليم عدم صحة الإخبار بالمفصل عن المجمل، وإلا فلا يحتاج لتقدير المضاف الأول، والإشكال الثاني مبني على ما اشتهر من أن أسماء الكتب من قبيل علم الجنس، وأسماء العلوم من قبيل علم الشخص، والحق أن يقال إن كان الشيء لا يتعدد بتعدد محله فالكل من قبيل علم الشخص، وإن كان الشيء يتعدد بتعدد محله فالكل من قبيل علم الجنس، والفرق تحكم وكون الشيء يتعدد بتعدد محله أوهام فلسفية لا يعتد بها، فإذا علمت ذلك فلا حاجة لتقدير المضاف الثاني أيضًا.
قوله: [اسم للنقوش إلخ]: فعلى هذا يكون الشارح اختار أن اسم الإشارة عائد على الثلاثة وهو أحد الاحتمالات السبعة المتقدمة.
قوله: [ابن إسحاق]: بن موسى وهذا هو الصواب كما في الحطاب وغيره، وقد وهم ابن غازي في إبدال موسى بيعقوب.
قوله: [من الأولياء العارفين]: أي لكونه كان مجاهدًا لنفسه في طاعة الله مكث عشرين سنة بمصر لم ير النيل لاشتغاله بربه، وكان يلبس لبس الجند المتقشفين، وله ولشيخه كرامات ذكر الأصل بعضها.
قوله: [بروضة مثمرة]: أي وطوى ذكر المشبه به وذكر الثمار تخييل كما قال الشارح، والاقتطاف ترشيح والجامع بين المعنيين الانتفاع التام في كل، فإن الروضة بها انتفاع الأجساد وبالمختصر انتفاع الأرواح.
قوله: [في مذهب]: هو في الأصل محل الذهاب كالطريق المحسوسة، والمراد منه هنا ما ذهب إليه مالك من الأحكام الاجتهادية، فقد شبه الأحكام التي ذهب إليها واعتقدها بطريق يوصل إلى المقصود، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية، والجامع بينهما التوصل للمقصود في كل، على حد قوله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ [الفاتحة: ٦].
قوله: [أئمة]: جمع إمام وهو في اللغة المقدم على غيره، وفي الاصطلاح من بلغ رتبة أهل الفضل ولو صغيرًا، وأصل أئمة: أأممة نقلت كسرة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، ثم أدغمت الميم في الميم فصار أئمة بتحقيق الهمزتين أو بتسهيل الثانية.
قوله: (دار التنزيل): أي القرآن لنزول غالبه بها.
قوله: [وهي المدينة المنورة]: أي بأنوار المصطفى لأنه أنارها حسًا ومعنى، ولها أسماء كثيرة أنهاها بعض العلماء إلى تسعين، منها ما ذكره المتن والشرح، منها قبة الإسلام، ومدينة الرسول، وطيبة، وطابة، والراحمة، والمرحومة، والهادية، والمهدية، وأما تسميتها بيثرب فمكروه وما في الآية حكاية عن المنافقين.
قوله: [مالك بن أنس]: هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بفتح الغين المعجمة أوله بعدها مثناة تحتية ساكنة ابن خثيل - بالمثلثة مصغر أوله خاء معجمة ويقال بالجيم كما في القاموس - من ذي أصبح بطن من حمير فهو من بيوت الملوك وعادة ملوكهم يزيدون في العلم ذا تعظيمًا: أي صاحب هذا الاسم. وأم الإمام اسمها العالية بنت شريك الأزدية، وقيل طليحة مولاة عامر بنت معمر، وكان أبو الإمام وجده من فقهاء التابعين، وجده مالك أحد الأربعة الذين حملوا عثمان ﵁ إلى قبره ليلًا ودفنوه بالبقيع، وأبوه أبو عامر صحابي شهد المغازي كلها مع رسول الله ﷺ خلا بدرًا، والإمام تابع التابعين وقيل تابعي لأنه
1 / 8