لما تقدم من القاعدة في مسح الخفين. وكذا بقية السبعة يتيمم الواحد منهم حضرًا أو سفرًا ولو سفر معصية. فقوله: بسفر أو حضر ليس خاصًا بالأول، بل هو جار في الجميع كما هو ظاهر، وقوله: أو قدرة عطف على ماء.
(أو خوف حدوث مرض أو زيادته أو تأخر برء): هذا هو الثالث: وهو الواجد للماء القادر على استعماله، ولكن خاف باستعماله حدوث مرض من نزلة أو حمى أو نحو ذلك، أو كان القادر على استعماله مريضًا وخاف من استعماله زيادة مرضه، أو تأخر برئه منه. ويعرف ذلك بالعادة، أو بإخبار طبيب عارف، فقوله: أو خوف عطف على فقد ماء.
(أو عطش محترم ولو كلبًا): هذا هو الرابع وهو الخائف عطش حيوان محترم - شرعًا من آدمي أو غيره ولو كلبًا لصيد أو لحراسة، بخلاف الحربي والكلب الغير المأذون فيه والمرتد. فقوله: أو عطش عطف على حدوث. والمراد بالخوف: الاعتقاد أو الظن -أي ظن التلبس بالعطش- ولو في المستقبل، أي العطش المؤدي إلى هلاك أو شدة أذى، لا مجرد عطش.
(أو تلف مال له بال بطلبه): هذا هو الخامس، وهو الخائف بطلب الماء تلف مال بسرقة أو نهب. والمراد بما له بال: ما زاد على ما يلزمه شراء الماء به لو اشتراه، وسواء كان الماء له أو لغيره. وهذا إذا تحقق وجود الماء المطلوب أو ظنه، فإن شك في وجوده تيمم ولو قل المال.
(أو خروج وقت باستعماله): هذا هو النوع السادس: وهو الخائف باستعمال الماء خروج وقت الصلاة وأولى [١] بطلبه. فإنه يتيمم ولا يطلبه ولا يستعمله إن كان موجودًا محافظة على أداء الصلاة في وقتها، ولو الاختياري فإن ظن أنه يدرك منها ركعة في وقتها إن توضأ أو اغتسل فلا يتيمم ويتعين عليه أن يقتصر على الفرائض مرة ويترك السنن والمندوبات
ــ
استصحاب الماء. هذا هو المشهور، ونفي اللزوم لا ينافي الندب لمراعاة الخلاف اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [لما تقدم من القاعدة]: أي التي هي كل رخصة لا تختص بالسفر فتفعل وإن من عاص بالسفر، وكل رخصة تختص بالسفر فلا تفعل من عاص بالسفر. قال شيخنا في مجموعه: قد يقال العاصي بالسفر لا يتيمم لغير ما يتيمم له الحاضر الصحيح؛ لأن رخصته تخصيص بالسفر، لكن في (ح): يتيمم المسافر للنوافل مطلقًا ولو غير قصر على الصحيح.
قوله: [زيادة مرضه]: أي في الشدة.
قوله: [بالعادة]: أي بالقرائن العادية، كخوفه انقطاع عرق العافية باستعماله الماء. وليس من العاجز عن استعمال الماء للمرض المبطون الذي كلما قام للماء واستعمله انطلق بطنه، بل يؤمر باستعمال الماء وما خرج غير ناقض كما سبق في السلس وفاقًا للحطاب. أما مبطون يضر به الماء وأعجزه الإعياء أو عظم البطن عن تناول الماء، فيتيمم اهـ. من شيخنا في حاشية مجموعه.
قوله: [أو عطش محترم]: مثل العطش ضرورة العجن والطبخ، قالوا: فإن أمكنه الجمع بقضاء الوطر بماء الوضوء، فعل حيث لم تعفه النفس حتى يتولد منه شدة الضرر، وإلا فيتركه لحاجة العجن والطبخ ويتيمم.
قوله: [أو غيره]: من كل حيوان معصوم.
قوله: [بخلاف الحربي] إلخ: أي فإن ما ذكر غير معصوم، فلا يتيمم ويدفع الماء لما ذكر، بل يعجل القتل إن أمكن. فإن عجز عن القتل لعدم حاكم يقتل المرتد، ولعدم قدرته على قتل الكلب - ومثله الخنزير - سقى الماء من ذكر وتيمم. وأما الحربي فلا يسقيه مطلقًا. ومثل المرتد: الجاني إذا ثبتت عند حاكم جنايته وحكم بقتله قصاصًا؛ فلا يدفع الماء إليه بل يعجل بقتله، فإن عجز عنه دفع الماء له ولا يعذبه بالعطش. وليس كجهاد الحربيين، فإنهم جوزوه بقطع الماء عليهم ليغرقوا أو عنهم ليهلكوا بالعطش. والدب والقرد من قبيل المحترم وإن كان في القرد قول بحرمة أكله. فإن كان في الرفقة زان محصن فإذا وجد صاحب الماء حاكمًا لا يجوز له التيمم؛ وإلا أعطاه الماء وتيمم.
قوله: [والمراد بالخوف الاعتقاد] إلخ: حاصله أن الحيوان المحترم الذي خيف عليه العطش: إما متلبس بالعطش بالفعل، أو غير متلبس. وفي كل إما أن يخاف عليه من العطش، هلاكًا، أو شدة أذى، أو مرضًا خفيفًا، أو مجرد جهد ومشقة. فهذه ثمان. وفي كل: إما أن يكون الخوف تحقيقًا، أو ظنًا، أو شكًا، أو وهمًا، فهذه ثنتان وثلاثون صورة. أما قبل التلبس أو بعده فإن تحقق أو ظن هلاكًا أو شدة أذى وجب التيمم، وإن تحقق أو ظن مرضًا خفيفًا جاز التيمم، فهذه ست من ست عشرة. والباقي عشرة لا يجوز فيها التيمم. وأما لو تلبس بالعطش فالخوف مطلقًا - علمًا أو ظنًا أو شكًا أو وهمًا- يوجبه في صورتين: الهلاك وشدة الأذى. ويجوزه في صورة: مجرد المرض لا في مجرد الجهد. فهذه ست عشرة أيضًا، ثمانية منها يجب التيمم. وأربعة يجوز وأربعة لا يجوز. وما أبديته لك من تلك الصور هو ما مشى عليه الأصل تبعًا للأجهوري وهو ما في التوضيح. ونازع (ح) في ذلك وقال: بل المراد بالخوف الجزم والظن فقط في حال التلبس كغيره، وتبعه شارحنا. هنا ونظر فيه (بن) نقلًا عن المسناوي. وقال الصواب ما ذكره الأجهوري من التفصيل، كما يؤخذ من حاشية الأصل.
قوله: [لا مجرد عطش]: أي لا مجرد جهد من عطش من غير ضرر زائد، فلا يتيمم لأجله.
قوله: [أو تلف مال] إلخ: ومن ذلك الذين يحرسون زروعهم والأجراء الذين يحصدون الزرع.
قوله: [أو خروج وقت] إلخ: هذا القول هو الذي رواه الأبهري، واختاره التونسي، وصوبه ابن يونس، وشهره ابن الحاجب، وأقامه اللخمي وعياض من المدونة. ومقابله: يستعمل الماء ولو خرج الوقت. وهو
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (الذي أولى).
1 / 68