لأنه يلزم من رفع الأكبر رفع الأصغر - كعكسه في محل الوضوء كما يأتي، ولو تبين له أنه لم يكن عليه جنابة. فيصلي بذلك الغسل ما لم يحصل ناقض للوضوء من حدث كريح، أو سبب كمس ذكر بعده - أي بعد تمام الوضوء - أو بعضه وقبل تمام الغسل. فإن حصل ناقض أعاد ما فعله من الوضوء مرة مرة بنية الوضوء، وهو معنى قوله: (وإلا أعاده مرة بنيته): أي الوضوء. وأما حصوله بعد تمام الغسل فإنه يعيده بنيته اتفاقًا مع التثليث على ما تقدم.
(والوضوء عن محله ولو ناسيًا لجنابته): أي ويجزئ الوضوء عن محل الوضوء؛ يعني أن من توضأ بنية رفع الحدث الأصغر ثم تمم الغسل بنية رفع الأكبر أو بنية الغسل، فإنه يجزئه غسل محل الوضوء عن غسله في الغسل، فلا يعيد غسل أعضاء الوضوء في غسله، ولو كان ناسيًا أن عليه جنابة حال وضوئه. فإذا تذكر -ولو بعد طول- فإنه يبني بنية على ما غسله من أعضاء الوضوء إذا لم يطل ما بين تذكره وبين الشروع في الإتمام.
(ولو نوى الجنابة ونفلًا أو نيابة عن النفل، حصلا) يعني أن من كان عليه جنابة فاغتسل بنية رفع الجنابة وغسل الجمعة أو غسل العيد، حصلا معًا. وكذا إذا نوى نيابة غسل الجنابة عن غسل النفل. بخلاف ما لو نوى نيابة النفل عن الجنابة فلا تكفي عن واحد منهما. وقولنا: ونفلًا أشمل من قوله: "والجمعة" لأنه يشمل الاغتسالات المسنونة: كالجمعة وغسل الإحرام، والمندوبة: كالعيدين والغسل لدخول مكة.
(وندب لجنب وضوء لنوم لا تيمم ولا ينتقض إلا بجماع): أي يندب للجنب - إذا أراد النوم ليلًا أو نهارًا أن يتوضأ وضوءًا كاملًا كوضوء الصلاة. كما يندب لغيره. لكن وضوء الجنب لا يبطله إلا الجماع، بخلاف وضوء غيره فإنه ينقضه كل ناقض مما تقدم.
ــ
في المذهب فيما علمت أنه لا فضل في الوضوء بعد الغسل. وأجيب: بأن المراد بالإجزاء بالنظر للأولوية؛ أي أنه يجزئه ذلك الغسل إذا ترك الوضوء ابتداء مع مخالفة الأولى، وليس المراد أنه يطلب بالوضوء بعد الغسل كما فهم المعترض، وهذا الاعتراض والجواب واردان على خليل، وقد تبعه المصنف.
قوله: [لأنه يلزم من رفع الأكبر] إلخ: يؤخذ من هذا أن الغسل واجب أصلي لكونه عليه جنابة ولو بحسب اعتقاده، وأما لو كان غير واجب كغسل الجمعة والعيدين -ولو نذرهما- لا يجزئ عن الوضوء. ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة، مثال رفع الأكبر الذي يجزئ عن الأصغر، كما لو انغمس في الماء ونوى بذلك رفع الأكبر، ولم يستحضر الأصغر؛ جاز له أن يصلي به. ونص ابن بشير: والغسل يجزئ عن الوضوء؛ فلو اغتسل ولم يبدأ بالوضوء ولا ختم به لأجزأه غسله عن الوضوء لاشتماله عليه. هذا إن لم يحدث بعد غسل شيء من أعضاء الوضوء بأن لم يحدث أصلًا أو أحدث قبل غسل شيء من أعضاء الوضوء. وأما إن أحدث بعد غسل شيء منه، فإن أحدث بعد تمام وضوئه وغسله فهو كمحدث يلزمه أن يجدد وضوءه بنية اتفاقًا. وإن أحدث في أثناء غسله - فهذا إن لم يرجع فيغسل ما غسل من أعضاء وضوئه قبل حدثه - فإنه لا تجزئه صلاته. وهل يفتقر هذا في غسل ما تقدم من أعضاء وضوئه لنية، أو تجزئه نية الغسل عن ذلك؟ فيه قولان للمتأخرين. فقال ابن أبي زيد: يفتقر إلى نية، وقال القابسي: لا يفتقر إلى نية.
قوله: [بنيته أي الوضوء]: أي على طريقة ابن أبي زيد وأما على قول القابسي فلا يفتقر لها.
قوله: [اتفاقًا]: أي من ابن أبي زيد والقابسي وغيرهما من أهل المذهب.
قوله: [والوضوء عن محله]: هذه المسألة عكس المسألة المتقدمة، وهي التي وعد بها. لأن المتقدمة أجزأ فيها غسل الجنابة عن الوضوء، وهذه أجزأ فيها غسل الوضوء على بعض غسل الجنابة.
قوله: [ولو كان ناسيًا] إلخ: دفع به ما يتوهم أن نية الأصغر لا تنوب عن الأكبر.
قوله: [إذا لم يطل] إلخ: أي وأما طوله قبل التذكر فلا يضر ما دام لم تنتقض طهارته.
قوله: [ولو نوى الجنابة] إلخ: ترك المصنف ما إذا جمع بين واجبين في نية واحدة لعلمه مما تقدم، ولأن الأسباب إذا تعدد موجبها ناب موجب أحدهما عن الآخر.
قوله: [حصلا معًا]: أي حصل المقصود من الواجب والنفل. ويؤخذ من هذه المسألة صحة صوم عاشوراء للفضيلة والقضاء، ومال إليه ابن عرفة ويؤخذ منه أيضًا أن من كبر تكبيرة واحدة ناويًا بها الإحرام والركوع، فإنها تجزئه. وأن من سلم تسليمة واحدة ناويًا بها الفرض والرد فإنها تجزئه، وبه قال ابن رشد. .اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [وضوء لنوم]: في (عب): مثله الحائض بعد انقطاع الدم لا قبله وهذا على أن العلة رجاء نشاطه للغسل.
قوله: [لا تيمم]: أي بناء على أن العلة النشاط، وقيل يتيمم عند عدم الماء بناء على أن العلة الطهارة، وأما وضوء الجنب للأكل فلم يستمر عليه عمل عند المالكية، وإن قال به بعض من أهل العلم كما في الموطأ. اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [كوضوء الصلاة]: أي فلا بد فيه من الاستبراء من المني وغيره خلافًا لما يتوهم من قولهم: لا ينتقض إلا بجماع، أنه لا يتوقف على استبراء. وعدم نقضه بذلك لا ينافي وجوب الاستبراء ابتداء؛ لأنه من شروط
1 / 66