والكلام في الآل والصحب مشهور.
(وبعد فهذا كتاب جليل اقتطفته من ثمار مختصر الإمام خليل) الكلام في بعد واسم الإشارة مشهور،
ــ
منها، وكفاهم قوله تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ [آل عمران: ١١٠] الآية.
قوله: [مشهور]: أما الآل في مقام الزكاة فهم عندنا بنو هاشم لا المطلب، وأما في مقام الدعاء فكل مؤمن ولو عاصيًا، وأما في مقام المدح فكل تقي لما في الحديث الشريف: «آل محمد كل تقي»، وأصحابه كل من اجتمع به في حياته بعد البعثة وهو مؤمن وتفصيل ذلك يطول.
قوله: [الكلام في بعد واسم الإشارة مشهور]: أي فلم يتكلم عليه لشهرته، ولنذكر لك زبدة ذلك ليطمئن بها الخاطر؛ فبعد يتعلق بها تسعة مباحث: الأول في واوها، الثاني: في موضعها، الثالث: في معناها، الرابع: في إعرابها، الخامس: في العامل فيها، السادس: في أصلها، السابع: في حكم الإتيان بها، الثامن: في أول من تكلم بها، التاسع: في الفاء بعدها. فأما الواو فإما أن تكون لعطف ما بعدها على ما قبلها عطف قصة على قصة، وإما أن تكون نائبة عن أما التي هي لمجرد التأكيد، وقد تكون للتأكيد مع التفصيل في غير ما هنا. وأما موضعها فيؤخذ من قولهم هي كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، أي من غرض إلى آخر، فلا تقع بين كلامين متحدين، ولا أول الكلام ولا آخره، فإن وقعت بين كلامين متغايرين بينهما عدم مناسبة سمي اقتضابًا محضًا، وإن كان بينهما مناسبة كلية سمي تخلصًا، وإن كان بينهما نوع مناسبة كما هنا، سمي اقتضابًا مشوبًا بتخلص، فمثال الاقتضاب المحض قول الشاعر:
لو رأى الله أن في الشيب خيرا ... جاورته الأبرار في الخلد شيبا
كل يوم تبدي صروف الليالي ... خلقًا من أبي سعيد غريبا
ومثال التخلص قول الشاعر أيضًا:
أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا ... فقلت كلا ولكن مطلع الجود
وأما معناها فهو نقيض قبل، وتكون ظرف زمان كثيرًا ومكان قليلًا، وهي هنا للزمان لا غير، وقولهم إنها للمكان باعتبار الرقم بعيد كما حققه الشارح ﵁.
وأما إعرابها فلها أربعة أحوال: تعرب في ثلاثة وتبنى في حالة كما هو مشهور. وأما العامل فيها فهو على أن الواو عاطفة مقدر ب أقول ونحوه، وعلى أنها نائبة عن أما، فإن قلنا: إنها من متعلقات الشرط فالعامل فيها فعل الشرط، والتقدير مهما يكن من شيء بعدما تقدم، أو العامل فيها الواو النائبة عن أما النائبة عن مهما، وإن قلنا: إنها من متعلقات الجزاء كانت معمولة للجزاء، والتقدير مهما يكن من شيء فأقول بعدما تقدم، وجعلها من متعلقات الجزاء أولى لأنه يكون وجود المؤلف معلقًا على وجود شيء مطلق. وأما أصلها فهو أما، وأصل أما مهما يكن من شيء، كما تقدم، وهذا الأصل على أن الواو نائبة، وأما على أنها عاطفة فالأصل، وأقول بعد إلخ. وأما حكم الإتيان بها فالاستحباب اقتداء بالنبي ﷺ لأنه كان يأتي بأصلها وهو أما بعد في خطبه ومكاتباته.
وأما أول من تكلم بها فقد نظم الخلاف فيه بعضهم بقوله:
جرى الخلف أما بعد من كان بادئا ... بها خمس أقوال وداود أقرب
وكانت له فصل الخطاب وبعده ... فقس فسحبان فكعب فيعرب
وأما الفاء بعدها فإن قلنا إن الواو عاطفة فالفاء زائدة على توهم وجود أما، وإن قلنا إنها نائبة عن أما فالفاء رابطة للجواب. وفي هذا القدر كفاية. وأما اسم الإشارة ففيه احتمالات سبعة أبداها السيد الجرجاني: وهي إما أن يكون عائدًا على الألفاظ أوالنقوش أو المعاني أو الألفاظ والمعاني، أو المعاني والنقوش أو الألفاظ والنقوش، أو الثلاثة. اختار السيد الجرجاني منها أنه عائد على الألفاظ
1 / 7