فصل [١]:
(جاز بدلًا عن غسل الرجلين بحضر وسفر - ولو سفر معصية - مسح خف أو جورب بلا حد): ذكر في هذا الفصل حكم المسح على الخفين وشروطه وصفته - وما يتعلق بذلك.
فحكمه الجواز؛ فهو رخصة جائزة بدلًا عن غسل الرجلين في الوضوء في الحضر والسفر، ولو كان السفر سفر معصية؛ كالسفر لقطع طريق أو إباق. لأن كل رخصة جازت بالحضر جازت بالسفر مطلقًا. وأما الرخصة التي لا تجوز في الحضر - كالفطر في رمضان - فلا تجوز إلا في السفر المباح. وما مشى عليه المصنف من التقييد بالمباح ضعيف. ومثل الخف الجورب، بفتح الجيم وسكون الواو - وهو ما كان من قطن أو كتان أو صوف جلد ظاهره، أي كسي بالجلد بشرطه الآتي. فإن لم يجلد فلا يصح المسح عليه. ولا حد في مدة المسح فلا يتقيد بيوم وليلة، ولا بأكثر ولا أقل خلافًا لمن ذهب إلى التحديد.
ولجوازه شروط أحد عشر؛ ستة في الممسوح وخمسة في الماسح ذكرها بقوله: (بشرط جلد طاهر، خرز، وستر محل الفرض، وأمكن المشي فيه عاد [٢] بلا حائل): أي أن الشرط.
الأول في الممسوح: كونه جلدًا، فلا يصح المسح على غيره.
الثاني: أن يكون طاهرًا احترازًا من جلد الميتة ولو مدبوغًا.
الثالث: أن يكون مخروزًا
ــ
لطيفة: قوله تعالى: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ [الواقعة: ٧٩] إن كان الضمير للقرآن فلا ناهية. وقد قال ابن مالك:
......... وفي ... جزم وشبه الجزم تخيير قفى
وعلى بقاء الإدغام يجوز الضم إتباعًا لضم الهاء. أو أنه نهي بصورة النفي. ولا يصح بقاء النفي على ظاهره للزوم الكذب لكثرة من مس القرآن بلا طهارة من صبيان وغيرهم، نعم إن رجع الضمير للوح المحفوظ المعبر عنه بالكتاب المكنون أو صحف الملائكة، وأل للجنس صح النفي؛ لأنه لا يمس ذلك إلا الملائكة المطهرون من الرذائل. انتهى من حاشية شيخنا على مجموعه.
فصل:
قوله: [جاز]: أي على المشهور كما قال ابن عرفة. ومقابله ثلاثة أقوال: الوجوب والندب وعدم الجواز. ومعنى الوجوب أنه إن اتفق كونه لابسًا وجب عليه المسح عليه، لا أنه يجب عليه أن يلبسه ويمسح عليه. فإن قيل: كيف يكون جائزًا مع أنه ينوي به الفرض؟ وذلك يقتضي الوجوب؟ فالجواب: أن الجواز من حيث العدول عن الغسل الأصلي، وإن قام مقام الواجب، حتى قيل الواجب أحد الأمرين. لكن الاصطلاح أن الواجب المخير ما ورد فيه التخيير ابتداء ككفارة الصيد، وهذا الجواب ذكره شيخنا في حاشية مجموعه. وسواء كان الماسح ذكرًا أو أنثى، ولكن الغسل أفضل. قوله: [بحضر أو سفر]: هذا التعميم رواية ابن وهب والأخوين عن مالك، وروى ابن القاسم عنه: لا يمسح الحاضرون. وروى عنه أيضًا: لا يمسح الحاضرون ولا المسافرون. قال ابن مرزوق: والمذهب، الأول، وبه قال في الموطأ. قوله: [مسح خف] إلخ: مراده به الجنس الصادق بالمتعدد، بدليل ما يأتي في قوله: (فإن نزعهما أو أعلييه). وإنما قدم مسح الخف على الغسل لكونه من خواص الطهارة الصغرى.
قوله: [بلا حد]: أي واجب بحيث لو زاد عليه بطل المسح، فلا ينافي ندب نزعه كل جمعة، كما يأتي. قوله: [وشروطه]: أي الإحدى عشرة الآتية.
قوله: [وصفته]: أي كيفية مسحه.
قوله: [وما يتعلق بذلك]: أي من محترزات الشروط ومخالفة الكيفية.
قوله: [رخصة]: هي في اللغة: السهولة. وشرعًا حكم شرعي سهل انتقل إليه من حكم شرعي صعب لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي. فالحكم الصعب هنا وجوب غسل الرجلين أو حرمة المسح، والحكم السهل جواز المسح لعذر، وهو مشقة النزع واللبس، والسبب للحكم الأصلي كون المحل قابلًا للغسل. انتهى من الحاشية.
قوله: [جائزة]: أي بمعنى خلاف الأولى.
قوله: [في الوضوء]: أي لا في الغسل. فلذلك لو حصلت له جنابة وجب عليه نزعه كما يأتي.
قوله: [كالسفر] إلخ: أي بخلاف المعصية في السفر فلا تمنع اتفاقًا كالسفر لتجارة ثم تعرض له معاص.
قوله: [وما مشى عليه المصنف]: مراده به الشيخ خليل. وقد خالف اصطلاحه فيه هنا من تعبيره عنه بالشيخ.
قوله: [بشرطه الآتي]: مراده الجنس الصادق بالمتعدد، أو أن شرط مفرد مضاف يعم.
قوله: [خلافًا لمن ذهب] إلخ: أي كابن حنبل فإنه أوجب نزعه في كل أسبوع، والشافعي فإنه جعله للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام.
قوله: [جلد طاهر]: قال: (بن) هذان الشرطان غير محتاج إليهما. أما الأول فلأن الخف لا يكون إلا من جلد، والجورب قد تقدم اشتراطه فيه. وقد يجاب بأن لفظ جلد هنا إنما ذكره توطئة لما بعده. وأما الثاني فقد اعترضه الرماصي بأنه يؤخذ من فصل إزالة النجاسة، ولا يذكر هنا إلا ما هو خاص بالباب، وبأن ذكره هنا يوهم بطلان المسح عليه عمدًا أو سهوًا أو عجزًا كما أن باقي الشروط كذلك، وليس كذلك. لأنه إذا كان غير طاهر له حكم إزالة النجاسة. انتهى من حاشية الأصل. إذا علمت ذلك فالمصنف قد تبع خليلًا في عده شرطًا، ولكن قد علمت ما فيه.
قوله: [ولو مدبوغًا]: أي ما لم يكن من كيمخت كما تقدم من أنه يطهر بالدبغ.
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] زاد بعدها في ط المعارف: (المسح على الخف ونحوه).
[٢] في ط المعارف: (عادة)، وهي الصواب.
1 / 58