والشك في الناقض بعد طهر علم وعكسه، أو في السابق منهما): هذا هو النوع الثالث من الناقض، فهو عطف على قوله: إما حدث أي أن الناقض للوضوء: إما حدث، وإما سبب وإما غيرهما.
وهو أمران: الردة والشك. وكل منهما ليس بحدث ولا سبب، وبعضهم جعلهما من أقسام السبب.
أما الردة فهي محبطة للعمل؛ ومنه الوضوء والغسل على الأرجح من قولين رجح كل منهما. وأما الشك فهو ناقض؛ لأن الذمة لا تبرأ مما طلب منها إلا بيقين، ولا تعين عند الشاك. والمراد باليقين: ما يشمل الظن. والشك الموجب للوضوء ثلاث صور: الأولى: أن يشك بعد علمه بتقدم طهره، هل حصل منه ناقض - من - حدث أو سبب - أم لا. الثانية: عكسها، وهو أن يشك بعد علم حدثه، هل حصل منه وضوء أم لا. الثالثة: علم كلًا من الطهر والحدث وشك في السابق منهما.
(ولو طرأ الشك في الصلاة استمر، ثم إن بان الطهر لم يعد): هذا الحكم يتعلق بالصورة الأولى، يعني أن الشخص إذا دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام معتقدًا أنه متوضئ، ثم طرأ عليه الشك فيها - هل حصل منه ناقض أم لا - فإنه يستمر على صلاته وجوبًا.
ــ
صغير كما في كبير الخرشي لاعتبارها منه، وتسقط الفوائت والزكاة إن لم يرتد لذلك وتبطل الحج.
قوله: [والشك في الناقض]: هذا هو المشهور من المذهب. وقيل لا ينتقض الوضوء بذلك، غاية الأمر أنه يستحب الوضوء فقط مراعاة لمن يقول بوجوبه. والأول نظر إلى أن الذمة عامرة فلا تبرأ إلا بيقين، والثاني نظر إلى استصحاب ما كان فلا يرتفع إلا بيقين. قال ابن عرفة: من تأمل علم أن الشك في الحدث شك في المانع لا شك في الشرط، والمعروف إلغاء الشك في المانع، فكان الواجب طرح ذلك الشك وإلغاؤه، لأن الأصل بقاء ما كان على حاله، وعدم طرو المانع والشك في الشرط يؤثر البطلان باتفاق كالعكس في كلام المصنف، وهو: ما إذا تحقق الحدث وشك هل توضأ أم لا؛ لأن الذمة العامرة لا تبرأ إلا بيقين. إن قلت: حيث كان شكًا في المانع فلم جعلوه ناقضًا على المذهب؟ مع أن الشك في المانع يلغي كالشك في الطلاق والعتاق والظهار والرضاع. قلت: كأنهم راعوا سهولة الوضوء وكثرة نواقضه فاحتاطوا لأجل الصلاة. انتهى من حاشية الأصل بتصرف.
مسألة: لو تخيل أن شيئًا حصل منه بالفعل لا يدري ما هو هل حدث أو غيره؟ فظاهر كلام أهل المذهب أنه لا شيء عليه لأن هذا من الوهم، وكلام المصنف صادق بالشك في الأحداث والأسباب ما عدا الردة، فلا نقض بالشك فيها.
قوله: [وبعضهم جعلهما] إلخ: قال شيخنا في حاشية مجموعه: لا ينبغي أن تعد الردة في نواقض الوضوء، لأنها تحبط جميع الأعمال لا خصوص الوضوء. كما قالوا: لا ينبغي أن يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصًا به فكذا ما هنا. وأما الشك في الحدث فالظاهر رجوعه للقسمين بأن يراد بالحدث ما يشمل المحقق والمشكوك، وكذا السبب.
قوله: [ومنه الوضوء] إلخ: في البناني قول باستحباب الوضوء من الردة وهو ضعيف.
قوله: [على الأرجح] إلخ: هذا راجع للغسل فقط فالقول بالبطلان لابن العربي ورجحه بهرام في صغيرة، والثاني: لابن جماعة. ويظهر من كلام (ح) ترجيحه وتبعه الأجهوري وعلى هذا فمعنى إحباطها العمل من حيث الثواب ولا يلزم من بطلان ثوابه إعادته، فلذا لا يطالب بعدها بقضاء ما قدمه من صلاة وصيام، وإنما وجب الوضوء على القول المعتمد لأنه صار بعد توبته بمنزلة من بلغ حينئذ.
فوجب عليه الوضوء لموجبه، وهو إرادة القيام للصلاة. بخلاف الغسل فإنه لا يجب إلا بوقوع سبب من أسبابه. ووجهه الأول بأن الردة تبطل نفس الأعمال، فإذا ارتد وبطل عمله رجع الأمر لكونه متلبسًا بالحدث الذي كان عليه قبل ذلك العمل، سواء كان ذلك الحدث أصغر أو أكبر.
قوله: [والشك الموجب] إلخ: الشك مبتدأ وثلاث خبر.
قوله: [الأولى أن يشك] إلخ: هذه الصورة هي التي وقع فيها النزاع، هل هي شك في المانع أو في الشرط؟ والحق أنها شك في المانع وإنما حكم بالنقض لغير المستنكح احتياطًا للصلاة ولخفة أمر الوضوء.
قوله: [الثانية عكسها] إلخ: هذه الصورة شك في الشرط جزمًا وفيها الوضوء اتفاقًا ولو للمستنكح.
قوله: [الثالثة علم كلًا] إلخ: هذه الصورة من الشك في الشرط أيضًا، وفيها النقض ولو مستنكحًا، ومن باب أولى إذا شك فيهما وشك في السابق أو تحقق أحدهما وشك في السابق. فتحصل أن جملة الصور اثنتا عشرة صورة: وهي تحقق الطهارة والشك في الحدث وعكسه، وفي كل إما أن يكون مستنكحًا أو غيره، فهذه أربع. وبقي ما إذا شك في السابق مع تحقق الحدث والطهارة، أو الشك فيهما، أو الشك في الحدث وتحقق الطهارة، أو عكسه. فهذه أربع، وفي كل إما أن يكون مستنكحًا أو غيره. فتلك ثمان وجميع الاثني عشر يجب فيها الوضوء لا فرق بين مستنكح وغيره، إلا الصورة الأولى فيفرق فيها بين المستنكح وغيره.
قوله: [ثم طرأ عليه الشك فيها]: المراد بالشك هنا: ما قابل الجزم فيشمل الظن ولو كان قويًا فمن ظن النقض
1 / 56