فإنه ينقض مطلقًا ولو لازم كل الزمن. فإن كان لغير عزوبة بل لمرض أو انحراف طبيعة فهو كغيره ولا يجب فيه التداوي. ومن السلس: دم الاستحاضة، فإن لازم أقل الزمن نقض وإلا فلا.
(وإما سبب وهو: زوال العقل وإن بنوم ثقيل ولو قصر): هذا شروع في بيان السبب الناقض.
وهو ثلاثة أنواع: زوال العقل، ولمس من تشتهى، ومس ذكره المتصل. فقوله: "وإما سبب": عطف على "إما حدث". قوله: وهو زوال العقل إشارة إلى النوع الأول. وزواله يكون بجنون أو إغماء أو سكر أو بنوم ثقيل ولو قصر زمنه، لا إن خف ولو طال. وندب إن طال. والثقيل: ما لا يشعر صاحبه بالأصوات أو بسقوط شيء بيده، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فإن شعر بذلك فخفيف، وإن لم يفسر الكلام عنده.
(ولمس بالغ من يلتذ به عادة ولو لظفر أو شعر أو بحائل إن قصد اللذة أو وجدها، وإلا فلا): هذا إشارة للنوع الثاني من أنواع السبب. فلمس معطوف على زوال عقل أي إن لمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ بمثله عادة - من ذكر أو أنثى - ينقض الوضوء، ولو كان الملموس غير بالغ، أو كان اللمس لظفر أو شعر أو من فوق حائل كشرب [١] وظاهرها: كان الحائل خفيفًا يحس اللامس معه بطراوة البدن،
ــ
قوله: [فإنه ينقض مطلقًا]: قال شيخنا في مجموعه: وليس منه مذي من كلما نظر أمذى بلذة خلافًا لما في الخرشي، بل هذا ينقض. إنما السلس مذي مسترسل، نظر أم لا؛ لطول عزوبة مثلًا أو اختلال مزاج.
قوله: [ولا يجب فيه التداوي]: أي لو قدر على رفعه بالتداوي لا يجب عليه التداوي.
غاية الأمر أن فيه الصور الأربع المتقدمة، فهو مخصص لقولهم حيث قدر على دفعه لا يغتفر له إلا مدة التداوي، ولذلك قال في حاشية الأصل: اعلم أن عندنا صورًا ثلاثًا: الأولى: ما إذا كان سلس المذي لبرودة أو علة كاختلال مزاج، فهذه لا يجب فيها الوضوء قدر على رفعه أم لا إلا إذا فارق أكثر الزمان. الثانية: ما إذا كان لعزوبة مع تذكر بأن استنكحه، وصار مهما نظر أو سمع أو تفكر أمذى بلذة. الثالثة: ما إذا كان لطول، عزوبة من غير تذكر وتفكر بل صار المذي من أجل طول العزوبة نازلًا مسترسلًا نظر أو لا، تفكر أو لا، والأولى من هاتين الصورتين يجب فيها الوضوء مطلقًا قدر على رفعه أم لا من غير خلاف كما قال أبو الحسن،
والثانية منهما: يجب فيها الوضوء على إحدى روايتي المدونة وقال ابن الجلاب إن قدر على رفعه بزواج أو تسر وجب الوضوء وإلا فلا. انتهى. فإذا علمت ذلك، فجميع صور السلس من استحاضة أو بول أو ريح أو غائط متى قدر فيها على التداوي يغتفر له مدة التداوي فقط، إلا سلس المذي إذا كان لبرودة وعلة فيغتفر له، ولو قدر على التداوي، كما هو مفاد شارحنا وحاشية الأصل نقلًا عن (بن).
قوله: [وإما سبب]: أي سبب للحدث أي موصل إليه، كالنوم فإنه يؤدي إلى خروج الريح مثلًا، وغيبة العقل تؤدي لذلك أيضًا، واللمس والمس يؤديان لخروج المذي.
قوله: [زوال العقل]: ظاهره أن زوال العقل بغير النوم كالإغماء والسكر والجنون لا يفصل فيه بين طويله وقصيره كما يفصل في النوم، وهو ظاهر المدونة والرسالة فهو ناقض مطلقًا. قال ابن عبد السلام: وهو الحق خلافًا لبعضهم. وقال ابن بشير: والقليل في ذلك كالكثير. اهـ. من حاشية الأصل. والمراد بزواله؛ استتاره إذ لو زال حقيقة لم يعد حتى يقال انتقض وضوءه أو لا.
قوله: [وإن بنوم ثقيل] إلخ: ظاهره أن المعتبر صفة النوم ولا عبرة بهيئة النائم من اضطجاع أو قيام أو غيرهما. فمتى كان النوم ثقيلًا نقض كان النائم مضطجعًا أو ساجدًا أو جالسًا أو قائمًا. وإن كان غير ثقيل فلا ينقض على أي حال، وهي طريقة اللخمي. واعتبر بعضهم صفة النوم مع الثقل وصفة النائم مع غيره، فقال: وأما النوم الثقيل فيجب منه الوضوء على أي حال، وأما غير الثقيل فيجب الوضوء في الاضطجاع والسجود، ولا يجب في القيام والجلوس. وعزا في التوضيح هذه الطريقة لعبد الحق وغيره، ولكن الطريقة الأولى هي الأشهر وهي طريقة ابن مرزوق.
قوله: [ولو قصر]: رد ب "لو" على من قال بعدم النقض في القصير ولو ثقل.
قوله: [أو سكر]: ولو بحلال إلا من سكر في محبة الله فلا ينتقض وضوءه؛ لأن قلبه حاضر مستيقظ.
قوله: [ولمس]: اللمس. هو ملاقاة جسم لجسم لطلب معنى فيه كحرارة أو برودة أو صلابة أو رخاوة. فقول المصنف: [إن قصد لذة] تخصيص لعموم المعنى. وأما المس: فهو ملاقاة جسم لآخر على أي وجه ولذا عبر به في [الذكر] لكونه لا يشترط في النقض به قصد.
قوله: [بالغ]: أي ولو من امرأة لمثلها، قياسًا على الغلامين؛ لأن كلًا يلتذ بالآخر.
قوله: [بالغ]: أي لا صبي ولو راهق؛ لأن اللمس إنما نقض لكونه يؤدي إلى خروج المذي، ولا مذي لغير البالغ.
قوله: [يلتذ بمثله] إلخ: الحاصل أن النقض باللمس مشروط بشروط ثلاثة: أن يكون اللامس بالغًا، وأن يكون الملموس ممن يشتهى عادة، وأن يقصد اللامس اللذة أو يجدها والمراد بالعادة: عادة الناس، لا عادة الملتذ وحده، وإلا لاختلف الحكم باختلاف الأشخاص.
قوله: [لظفر]: أي أو به.
وقوله: [أو شعر]:
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (كثوب)، ولعلها الصواب.
1 / 54