وفي السواك كلام طويل فراجعه في محله (كصلاة بعدت منه، وقراءة قرآن، وانتباه من نوم، وتغير فم): تشبيه في الندب؛ أي كما يندب الاستياك لصلاة فرض أو نافلة بعدت من الاستياك بالعرف. فمن والى بين صلوات، فلا يندب أن يستاك لكل صلاة منها ما لم يبعد ما بينها عن الاستياك. ويندب الاستياك أيضًا عند إرادة قراءة القرآن لتطييب الفم، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير الفم بأكل أو غيره أو بكثرة كلام ولو بذكر أو قراءة أو طول سكوت، وورد: «إن السواك شفاء من كل داء إلا السام» أي الموت.
(وكره: موضع نجس، وإكثار الماء، والكلام بغير ذكر الله، والزائد على الثلاث، وبدء بمؤخر الأعضاء، وكشف العورة ومسح الرقبة، وكثرة الزيادة على محل الفرض، وترك سنة): هذا شروع في مكروهات الوضوء، وهو من زياداتي على المصنف.
أي أنه يكره فعل الوضوء في مكان نجس؛ لأنه طهارة، فيتنحى عن المكان النجس أو ما شأنه النجاسة ولئلا يتطاير عليه شيء مما يتقاطر من أعضائه ويتعلق به النجاسة.
ويكره إكثار الماء على العضو؛ لأنه من السرف والغلو في الدين الموجب للوسوسة.
ويكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى. وورد أن النبي ﷺ كان يقول حال الوضوء: «اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي، وقنعني بما رزقتني ولا تفتني بما زويت عني».
ويكره الزائد على الثلاث في المغسول، وكذا يكره المسح الثاني في الممسوح، وقيل يمنع الزائد، وهو ضعيف.
ويكره البدء بمؤخر الأعضاء، وكشف العورة حال الوضوء
ــ
قوله: [كلام طويل]: من ذلك فضائله، وهي تنتهي إلى بضع وثلاثين فضيلة، وقد نظمها الحافظ ابن حجر فقال:
إن السواك مرضي الرحمن ... وهكذا مبيض الأسنان
ومظهر الشعر مذكي الفطنة ... يزيد في فصاحة وحسنه
مشدد اللثة أيضًا مذهب ... لبخر وللعدو مرهب
كذا مصفي خلقة ويقطع ... رطوبة وللغذاء ينفع
ومبطئ للشيب والإهرام ... ومهضم الأكل من الطعام
وقد غدا مذكر الشهاده ... مسهل النزع لدى الشهاده
ومرغم الشيطان والعدو ... والعقل والجسم كذا يقوي
ومورث لسعة مع الغنى ... ومذهب لألم حتى العنا
وللصداع وعروق الراس ... مسكن ووجع الأضراس
يزيد في مال وينمي الولدا ... مطهر للقلب جال للصدا
مبيض الوجه وجال للبصر ... ومذهب لبلغم مع الحفر
ميسر موسع للرزق ... مفرح للكاتبين الحق
قوله: [كصلاة بعدت منه] إلخ: أي سواء كان متطهرًا بماء أو تراب أو غير متطهر، كمن لم يجد ماء ولا ترابًا بناء على أنه يصلي.
قوله: [تشبيه في الندب] إلخ: وقال القاضي عياض: والسواك مستحب في كل الأوقات ويتأكد استحبابه في خمسة أوقات: عند الوضوء وعند الصلاة وعند قراءة القرآن، وعند انتباهه من النوم وعند تغير الفم بسكوت أو أكل أو شرب أو تركهما أو بكثرة كلام ولو بالقرآن.
قوله: [وهو من زياداتي] إلخ: أي لأن للمصنف زيادات زادها على أصله منها المكروهات والشروط هنا، وسيأتي له جملة مواضع يزيدها على أصله.
قوله: [أي أنه يكره] إلخ: لما كان لا يلزم من ترك الفضيلة حصول المكروه صرح بالمكروهات.
قوله: [لأنه طهارة]: أي لأنه طهارة تعبدنا بها الشارع فينبغي أن تكون في المواضع الطاهرة.
قوله: [ولئلا يتطاير] إلخ: هذا التعليل لا يظهر إلا في المكان النجس بالفعل لا فيما شأنه النجاسة، فالتعليل الأول أتم.
قوله: [والغلو]: أي التشديد، وفي الحديث: «ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه».
قوله: [ويكره الكلام إلخ]: أي لأن السكوت لغير ذكر الله حال الوضوء مندوب، فيكره ضده.
قوله: [اللهم اغفر لي ذنبي]: يجري في تفسيره ما جرى في قوله تعالى: ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك﴾.
قوله: [ووسع لي في داري]: أي الدنيوية والأخروية، فقد ورد: "سعادة المرء في الدنيا ثلاث: الدار الوسيعة، والدابة السريعة، والزوجة المطيعة" انتهى. وسعة دار الآخرة هي الأهم.
قوله: [وبارك لي في رزقي]: أي زدني فيه في الدنيا والآخرة.
قوله: [وقنعني]: أي اجعلني قانعًا أي مكتفيًا وراضيًا بما رزقتني في الدنيا، فلا أمد عيني لما في أيدي الناس، وهذا هو الغنى النفسي وفي الحديث: «خير الغنى غنى النفس».
قوله: [ولا تفتني بما زويت عني]: أي ولا تجعلني مفتونًا أي مشغولًا بما زويته أي أبعدته عني، بأن سبق في علمك أنك لا تقدره لي، فإن الشغل به حسرة وندامة، وهذا الحديث تعليم لأمته، وإلا فهو يستحيل عليه تخلف تلك الدعوات.
قوله: [على الثلاث]: أي الموعبة، لأنها من السرف. وهو نقل ابن رشد عن أهل المذهب، وهو الراجح.
قوله: [وكذا يكره المسح] إلخ: أي يكره تكرار المسح في العضو الممسوح، كان المسح أصليًا أو بدليًا، اختياريًا أو اضطراريًا، لكون المسح مبنيًا على التخفيف.
1 / 49