وأما الصلاة والصوم فيرتفضان في الأثناء قطعًا، وعليه القضاء والكفارة في الصوم لا بعد تمامها على أظهر القولين المرجحين. وأما الحج والعمرة فلا يرتفضان مطلقًا ويرتفض التيمم مطلقًا ما لم يصلِّ به، لضعفه.
(وسننه: غسل يديه إلى كوعيه قبل إدخالهما في الإناء، إن أمكن الإفراغ، وإلا أدخلهما فيه كالكثير والجاري، وندب تفريقهما) لما أنهى الكلام على فرائض الوضوء، شرع في الكلام على سننه وهي ثمانية:
السنة الأولى: غسل يديه أولًا إلى كوعيه قبل إدخالهما في الإناء. فإن أدخلهما فيه وغسلهما فيه لم يكن آتيًا بالسنة لتوقفها على الغسل قبل إدخالهما في الإناء على ما صرحوا به، لكن بشرط أن يكون الماء قليلًا كآنية وضوء أو غسل، وأمكن الفراغ [١] منه كالصحفة، وأن يكون غير جار. فإن كان كثيرًا أو جاريًا أو لم يمكن الإفراغ منه كالحوض الصغير، أدخلهما فيه - إن كانتا نظيفتين أو غير نظيفتين - ولم يتغير الماء بإدخالهما فيه، وإلا تحيل على غسلهما خارجه إن أمكن، وإلا تركه وتيمم إن لم يجد غيره، لأنه كعادم الماء.
وهل التثليث والتفريق - بأن يغسل كل يد ثلاثًا على حدتها - من تمام السنة؟ أو يكفي غسلهما مرة والثانية والثالثة مستحبتان ولو مجتمعتين؟ قولان. الأرجح الاكتفاء قياسًا على باقي أفعال الوضوء التي يطلب فيها التثليث. ولذا لم نذكر التثليث في المتن، ويؤخذ ندب الثانية والثالثة من قولنا الآتي: والغسلة الثانية والثالثة وبينا هنا أن التفريق مندوب.
(ومضمضة واستنشاق، وندب فعل كل بثلاث غرفات، ومبالغة مفطر، واستنثار بوضع أصبعيه من اليسرى على أنفه، ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وتجديد مائهما، ورد مسح الرأس إن بقي بلل): السنة الثانية: المضمضة: وهي إدخال الماء في الفم وخضخضته وطرحه.
والثالثة: الاستنشاق: وهو إدخال الماء في الأنف وجذبه بنفسه إلى داخل أنفه. وندب فعل كل من هاتين السنتين بثلاث غرفات؛ بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث. وهذا معنى قول الشيخ: " وفعلهما بست أفضل ": أي أفضل من أن يفعلهما بثلاث غرفات، يتمضمض، ويستنشق بكل غرفة منها، أو بغرفتين أو بغير ذلك كما قال. وجاز أو إحداهما بغرفة. وندب للمفطر أن يبالغ في المضمضة والاستنشاق وإيصال الماء إلى [٢] الحلق وآخر الأنف، وكرهت المبالغة للصائم لئلا يفسد صومه. فإن بالغ ووصل الماء للحلق وجب عليه القضاء.
ــ
في الأثناء انقضاء الطهارة وكمالها، ويكون قد ترك بعضها، ثم يأتي به من غير نية فلا يجزي: انتهى من حاشية الأصل
نقلا عن (بن).
قوله: [وأما الصلاة والصوم]: أي ومثلهما الاعتكاف لاحتوائه عليهما. بقي شيء آخر؛ وهو أن رفض الوضوء جائز، كما يجوز القدوم على المس، وإخراج الريح من غير ضرورة، وفي الحج نظر، وأما الصوم والصلاة والاعتكاف فالحرمة، وبعض الشيوخ فرق بين الرفض ونقض الوضوء فمنع الأول دون الثاني لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ [محمد: ٣٣] والوضوء عمل، قاله في الحاشية ثم قال: والذي يظهر أن المراد بالأعمال المقاصد لا الوسائل، وحينئذ فرفض الوضوء كنقضه جائز، واستظهره الشبرخيتي.
تنبيه: لو تقدمت النية بكثير تضر اتفاقًا، وفي تقدمها بيسير خلاف، وأما تأخرها فيضر مطلقًا لخلو بعضه عن النية، فيكون في الحقيقة أول الوضوء ما نوى عنده.
قوله: [غسل يديه]: أي تعبدًا، كما قال ابن القاسم، وقال أشهب معقول المعنى واحتج بحديث: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده ثلاثًا قبل أن يدخلها في إنائه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده»، فتعليله دليل على أنه معقول، واحتج ابن القاسم للتعبد بالتحديد بالثلاث، إذ لا معنى له إلا ذلك، وحمله أشهب على المبالغة في النظافة انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [قبل إدخالهما في الإناء] إلخ: هذا هو المعتمد. وقيل: السنة متوقفة على الغسل خارج الإناء مطلقًا سواء توضأ من نهر أو حوض أو إناء كان الماء قليلًا أو كثيرًا.
قوله: [لكن بشرط] إلخ: أي فالشروط ثلاثة.
قوله: [والتفريق] إلخ: اعلم أن طلب التفريق هو رواية أشهب عن مالك، وقال ابن القاسم: يغسلهما مجموعتين.
قوله: [وطرحه]: أي لا إن شربه أو تركه سال من فمه فلا يجزي، ولا إن أدخله ومجه من غير تحريك وهذا هو المشهور.
قوله: [كما قال] إلخ: أي الشيخ خليل وضمير الاثنين في كلامه عائد على المضمضة والاستنشاق. والمراد بالجواز خلاف الأولى لأنه مقابل للندب.
وقوله: [بغرفة]: راجع لكل من الأمرين قبله، أي جازا معًا بغرفة وجاز أحدهما بغرفة. فالأول: كأن يتمضمض بغرفة واحدة ثلاثًا، ثم يستنشق من تلك الغرفة التي تمضمض منها ثلاثًا على الولاء ويتمضمض واحدة ويستنشق أخرى، وهكذا من غرفة واحدة. والثاني: كأن يتمضمض بغرفة ثلاثًا ويستنشق بأخرى ثلاثًا، وبقي صفة أخرى والظاهر جوازها وهي أن يتمضمض من غرفة مرتين، والثالثة من ثانية ثم يستنشق منها مرة ثم يستنشق اثنتين من غرفة ثالثة انتهى من حاشية الأصل.
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (الإفراغ).
[٢] مكررة في ط المعارف.
1 / 46