كما لو غسل وجهه وترك إحدى اليدين ناسيًا وفعل بقية الأعضاء، ثم تذكر أو نبهه أحد، فلا يخلو: إما أن يطول الزمن على ما تقدم أو لا. فإن طال الزمن اقتصر على فعل المنسي ولا يعيد ما بعده من الأعضاء.
وإن لم يطل - بأن لم تجف الأعضاء - فعل المنسي وأعاد ما بعده استنانًا لأجل تحصيل سنة الترتيب، فهي ملاحظة عند عدم الطول.
(ونية رفع الحدث في ابتدائه أو استباحة ما منعه أو أداء الفرض): الفريضة السابعة: النية عند ابتداء الوضوء كغسل الوجه، بأن ينوي بقلبه رفع الحدث الأصغر، أي المنع المترتب على الأعضاء أو استباحة ما منعه الحدث أو يقصد أداء فرض الوضوء. والأولى ترك التلفظ بذلك، لأن حقيقة النية القصد بالقلب لا علاقة للسان بها.
(وإن مع نية رفع الخبث، أو إخراج بعض ما يباح): يشير إلى أن النية تكفي ولو صاحبها نية رفع حكم الخبث الكائن على العضو، أو إخراج بعض ما يباح بالوضوء؛ كأن ينوي به استباحة الصلاة لا مس المصحف أو صلاة الظهر لا العصر.
وجاز له أن يفعل به ما أخرجه لأن حدثه قد ارتفع باعتبار ما قصده.
(بخلاف نية مطلق الطهارة أو إخراج ناقض، أو نية إن كنت أحدثت، فله): يعني إذا نوى مطلق الطهارة الشاملة لطهارة الحدث والخبث، أي من حيث حصولها في واحد منهما غير معين، فإنها لا تكفي لحصول التردد في الحقيقة. وأما لو نوى مطلق الطهارة لا من هذه الحيثية، فالظاهر الإجزاء كما قال سند، لأن فعله دليل على إرادة رفع الحدث. وكذا لا تجزئ نية الوضوء مع إخراج حدث ناقض، كأن يقول: نويت الوضوء من غير البول، أو: إلا من البول، أو: نويته من الغائط لا من البول، وكذا لا تجزئ إذا حصل عنده شك في وضوئه: إن كنت أحدثت فهذا الوضوء لذلك الحدث، لعدم الجزم بالنية، ولا بد من نية جازمة.
(ولا يضر عزوبها، بخلاف الرفض في الأثناء، لا بعده، كالصلاة والصوم): أي أن عزوب النية: أي ذهابها بعد أن أتى بها في أوله - بأن لم يستحضرها عند فعل غير الفرض الأول - لا يضر في الوضوء. بخلاف الرفض: أي الإبطال في أثنائه بأن يبطل ما فعله منه، كأن يقول بقلبه: أبطلت وضوئي، فإنه يبطل على الراجح ويجب عليه ابتداؤه إن أراد به صلاة ونحوها. بخلاف رفضه بعد إتمامه، فلا يضر. وجاز له أن يصلي به، إذ ليس من نواقضه إبطاله بعد الفراغ منه. ومثل الوضوء الغسل.
ــ
قوله: [كما لو غسل وجهه] إلخ: مثال لترك العضو ولم يمثل لترك اللمعة وهي كمن ترك بعض وجهه أو غيره.
قوله: [على ما تقدم]: أي من قوله: [بجفاف عضو وزمن اعتدلا].
قوله: [اقتصر على فعل المنسي]: أي أتى به وحده بنية إكمال الوضوء، ويثلثه إن كان مما يثلث.
قوله: [استنانًا]: وقيل ندبًا. ويعيده مرة إن فعله أولًا مرتين، أو ثلاثًا، وإلا فيما يكمل الثلاث، وهذا في ترك العضو أو اللمعة نسيانًا كما ذكره المصنف، وإما عمدًا أو عجز، فإن لم يطل فإنه يأتي به وجوبًا وبما بعده استنانًا أو ندبًا كما تقدم في النسيان، وإن طال ففي الحقيقة يأتي به وحده، وفي العمد والعجز الحكمي يبتدئ الوضوء لبطلانه.
قوله: [في ابتدائه]: هو معنى قول غيره عند أول مغسول.
قوله: [أو استباحة] إلخ: بيان لكيفية النية، فكيفيتها على ثلاثة أوجه كما قال المصنف، وهي: نية رفع الحدث، أو استباحة ما منعه، أو أداء الفرض. ويريد به ما تتوقف صحة العبادة عليه ليشمل وضوء الصبي كما تقدم، و"أو" في كلامه مانعة خلو، فتجوز الجمع. بل الأولى الجمع بين الثلاثة في قصده أو لفظه إن لفظ وإن كان اللفظ خلاف الأولى كما قال الشارح.
قوله: [أي المنع] إلخ: هو أحد معنيين للحدث هنا، والثاني الصفة الحكمية.
والمراد برفع المنع: رفع تعلقه بالشخص، فيرجع لرفع الصفة الحكمية.
قوله: [ما منعه الحدث]: أي فعلًا منعه إلخ منع تحريم أو كراهة كما تقدم في تعريف الطهارة.
قوله: [القصد]: أي إلى العبادة المعينة، فأفاد الشارح حقيقتها وكيفيتها. وأما زمنها: فيؤخذ من قوله: [عند ابتداء] الوضوء. والمحل: من قوله: [بقلبه]. والمقصود منها وهو تمييز العبادات عن العادات، وبعض العبادات عن بعض: من قوله: [القصد بالقلب]. والحكم: من عدها من الفرائض. والشرط: أن لا يأتي بمناف. وسيأتي في قوله: [أو إخراج ناقض] إلخ، وقد جمع العلامة التتائي هذه الأشياء بقوله:
سبع سؤالات أتت في نية ... تلقى لمن حاولها بلا وسن
حقيقة حكم محل وزمن ... كيفية شرط ومقصود حسن
قوله: [وإن مع نية] إلخ: ومثله نية التبرد أو التدفي أو النظافة.
قوله: [غير معين]: أي بحيث صار صادقًا بالحدث والخبث أو بالخبث فقط أو بالحدث فقط، فالضرر في هذه الصور الثلاث كما في حاشية الأصل.
قوله: [كما قال سند]: ومثله إذا نوى الطهارة من حيث تحققها في الحدث، فالإجزاء في صورتين.
قوله: [من غير البول]: أي مع حصول البول منه، فلا ضرر لأنه الواقع.
قوله: [وإلا من البول]: أي وقد حصل منه كغيره أيضًا وإلا فلا ضرر كما علمت.
قوله: [لا من البول]: أي وقد خرج منه، فإن الوضوء باطل، حصل منه ما نواه أو لا.
قوله: [لعدم الجزم]: أي لأن النية مترددة لكونه علقها على حدث محتمل، وإن كان الشك ناقضًا - إلا أنه لم يعتبر في نيته فليس مبنيًا على عدم نقض الشك وفاقًا للحطاب. وأما لو شك في الوضوء، ونوى رفع الحدث مما شك فيه فيرتفع قطعًا.
قوله: [ولا يضر عزوبها] إلخ. يقيد بما إذا لم يأت بنية مضادة كنية الفضيلة كما قال ابن عبد السلام. ويقيد بما إذا لم يعتقد
1 / 45