كل منهما برفق، وهو معنى قوله: خفا بفتح الخاء حتى يغلب على الظن خلوص المحل. ولا يتبع [١] الأوهام فإنه يورث الوسوسة وهي تضر بالدين.
(واستنجاء، وندب بيساره وبلها قبل لقي الأذى، واسترخاؤه قليلًا وغسلها بكتراب بعده وإعداد المزيل، ووتره وتقديم قبله وجمع ماء وحجر ثم ماء) يجب الاستنجاء كما يجب الاستبراء والمراد به: إزالة النجاسة من محل البول أو الغائط بالماء أو بالأحجار. وندب أن يكون بيده اليسرى ويكره باليمنى إلا لضرورة. وندب بلل يده اليسرى بالماء قبل لقي الأذى من بول أو غائط لئلا يقوى تعلق الرائحة بها إذا لاقى بها الأذى جافة. ويندب حال الاستنجاء أن يسترخي قليلًا لأنه أمكن في التنظيف.
وندب بعد فراغه من الاستنجاء أن يغسل يده التي لاقى بها الأذى حال الاستنجاء بتراب ونحوه، كأشنان وغاسول وصابون.
وندب له عند إرادته قضاء الحاجة أن يعد ما يزيل به النجاسة من ماء أو حجر أو نحو ذلك. ويندب له وتر المزيل إذا كان جامدًا كحجر حيث انتقى المحل بالشفع وإلا فالإنقاء متعين. وينتهي ندب الإيتار للسبع، فإن أنقى بثامن فلا يطلب بتاسع. وندب تقديم قبله على دبره في الاستنجاء وندب له أن يجمع بين الحجر والماء، فيقدم إزالة النجاسة بالحجر، ثم يتبع المحل بالماء. فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أولى من الحجر ونحوه.
(وتعين في مني وحيض ونفاس وبول امرأة ومنتشر عن مخرج كثيرًا): الضمير في تعين يعود على الماء. أي أن الماء يتعين - ولا يكفي الحجر ونحوه - في إزالة المني لمن فرضه التيمم أو الوضوء، كخروجه بلا لذة أو لذة غير معتادة. وفي إزالة دم الحيض أو النفاس، وكذا في دم الاستحاضة إن لم يلازم كل يوم ولو مرة، وإلا فهو معفو عنه كسلس البول الملازم لذكر أو أنثى فلا تجب إزالته. ويتعين الماء أيضًا في إزالة
ــ
وما تقدم في البول، وأما الغائط فيكفي في تفريغ المحل منه الإحساس بأنه لم يبق شيء مما هو بصدد الخروج، وليس عليه غسل ما بطن من المخرج، بل يحرم لشبه ذلك باللواط. فلو توضأ والبول في قصبة الذكر أو الغائط في داخل فم الدبر كان الوضوء باطلًا كما تقدم تحقيقه؛ لأن شرط صحة الوضوء عدم المنافي، فالاستبراء مطلوب لأجل إزالة الحدث فلا يجري فيه الخلاف الذي في إزالة النجاسة. وفي الحقيقة ليس السلت والنتر بالمتعين بل المدار على حصول الظن بانقطاع المادة بسلت أو غيره، كما لو مكث مدة يغلب على الظن خلو المحل. ولا يضر بلولة رأس الذكر بعد ذلك.
قوله: [كل منهما برفق]: هو بالنسبة للنتر وصف كاشف لأنه عند أهل اللغة هو التحريك الخفيف.
قوله: [ولا يتتبع الأوهام]: أي فإذا غلب على ظنه انقطاع المادة من الذكر ترك السلت والنتر، وما شك في خروجه بعد الاستبراء كنقطة فمعفو عنها، فإن تحققها فحكم الحدث والخبث؛ أي أنها تنقض الوضوء إن لم تلازم نصف الزمان فأكثر.
ويجب غسلها إن لم تأته كل يوم ولو مرة.
قوله: [وهي تضر بالدين]: ولذلك قال العارفون إن الوسواس سببه خبل في العقل أو شك في الدين.
قوله: [بالماء أو بالأحجار]: أي فهو أعم من الاستجمار لأن الاستجمار لا يكون بالماء.
قوله: [بيده اليسرى]: أي لأنه ليس من التشريف.
قوله: [بتراب ونحوه]: محل طلب الغسل بالتراب ونحوه إن لم يكن بلها أولًا، وإلا فلا يتوقف ندب الغسل على التراب ونحوه لانسداد المسام بالغسل أولًا. والمراد باليد التي تغسل الخنصر والبنصر والوسطى لأنها التي يلاقي بها النجاسة.
قوله: [أن يعد]: أي فيندب لمريد قضاء الحاجة إعداد الماء والحجر معًا إن أمكن، وإلا فالماء فقط، وإلا فالأحجار فقط، على حسب الترتيب في المندوب.
قوله: [فإن أنقى] إلخ: أي إن أنقى الشفع يوتر بثالث، وأربع يوتر بخامس، وست يوتر بسابع، وبعد ذلك لا إيتار بل المدار على الإنقاء. وقولهم الوتر خير من الشفع في غير الواحد. وإلا فالاثنان خير منه ويكفي في الوترية حجر واحد له ثلاث جهات يمسح المحل بكل جهة.
قوله: [تقديم قبله] إلخ: أي خوفًا من تنجس يده من مخرج البول لو قدم دبره، ومحل تقديم القبل إلا أن يقطر فيقدم دبره لأنه لا فائدة في تقديم القبل.
قوله: [أن يجمع بين الحجر والماء]: أي لأن الله مدح أهل قباء على ذلك بقوله تعالى: ﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين﴾ [التوبة: ١٠٨] وطهارتهم هي جمعهم بين الماء والحجر في استنجائهم كما ورد الحديث بذلك.
قوله: [فالماء أولى]: أي فلو اقتصر على الحجر ونحوه كفى وخالف الأولى.
وهل يكون في هذه الحالة المحل طاهرًا لرفع العين والحكم عنه أو نجسًا معفوًا عنه؟ انظر (ح) انتهى من حاشية الأصل. والحاصل أن المراتب خمس: ماء. وحجر، ماء ومدر. ماء فقط، حجر فقط، مدر فقط. والمراد بالمدر أي طاهر منق مستوفي الشروط غير حجر. فهي مطلوبة ندبًا على هذا الترتيب في غير ما يتعين فيه الماء.
قوله: [وتعين] إلخ: شروع في مسائل مستثناة من قولهم: الماء أفضل في الاستنجاء. وليس بمتعين. فكأنه قال: إلا في هذه المسائل فيتعين فيها الماء، ولا يكفي فيها الحجر ونحوه.
قوله: [لمن فرضه التيمم] إلخ: جواب عن سؤال وارد على المصنف حاصله أن المني والحيض والنفاس يتعين فيها غسل جميع الجسد ولا يتوهم فيها كفاية الاستجمار بالأحجار؟ وحينئذ فلا حاجة للنص على تعين
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (يتتبع).
1 / 38