فإن كانا ثوبين كفى غسل أحدهما للصلاة فيه إن اتسع الوقت ووجد ما يزيلها به، وإلا صلى بإحداهما واجتهد.
(ويطهر إن انفصل الماء طاهرًا وزال طعمها، بخلاف لون وريح عسُرا كمصبوغ بها، ولا يلزم عصره)؛ يعني أن محل النجاسة من ثوب أو غيره يطهر إن انفصل الماء عنه طاهرًا ولو لم ينفصل طهورًا خلافًا لظاهر كلامه. بل المدار على زوال طعم النجاسة ولونها وريحها فمتى بقي في الماء المنفصل شيء من ذلك فالمحل لم يطهر والغسالة نجسة، لكن الطعم لا بد في طهارة المحل من زواله، ولو تعسر.
وأما اللون والريح فإن تيسر زوالهما فلا بد من زوالهما وإن تعسر، كثوب مصبوغ بزعفران متنجس أو نيلة كذلك، كما لو وقع في الدن فأر فمات فيه - كما يتفق كثيرًا - أو أصاب الثوب مني انطبع فيه ونحو ذلك، فلا يشترط زوالهما لعسره عادة، إذ لا يرجع عادة لحالته الأولى. ولا يقال الريح يسهل زواله، لأنا نقول بعض الروائح كالمسك والزباد المتنجسين لا يسهل زوال ريحهما. فقوله: كمصبوغ بها؛ أي بالنجاسة مثال للمتعسر، فإذا طهر بانفصال الماء طاهرًا لم يلزمه عصره.
(وتطهر الأرض بكثرة إفاضة الماء عليها): الأرض المتنجسة إذا انصب الماء عليها من مطر أو غيره حتى زالت عين النجاسة وأعراضها طهرت؛ «كما وقع للأعرابي الذي بال في مسجد الرسول ﷺ فصاح به بعض الصحابة فأمرهم النبي ﷺ بتركه، ثم أمرهم بأن يصبوا عليها ذنوبًا من ماء». والحديث رواه الشيخان.
(وإن شك في إصابتها لبدن غسل، ولثوب أو حصير وجب نضحه بلا نية كالغسل: وهو رش باليد أو غيرها، فإن ترك أعاد الصلاة كالغسل، لا إن شك في نجاسة المصيب): هذا مفهوم قوله سابقًا وإنما يجب الغسل إن ظن إصابتها. وأشار إلى أن في هذا المفهوم تفصيلًا؛ حاصله أنه إن حصل شك في إصابة النجاسة لمحل فلا يخلو إما أن يكون بدنًا أو غيره. فإن كان بدنًا وجب غسله كمحقق الإصابة. وإن شك في إصابتها لثوب أو حصير وجب نضحه لا غسله، فإن غسله فقد فعل الأحوط. والنضح: رش على المحل المشكوك بالماء المطلق بيده أو غيرها،
ــ
من الماء ما يغسلهما معًا، فإن لم يسع الوقت إلا غسل واحد أو لم يجد من الماء إلا ما يغسل واحدًا تحرى واحدًا يغسله فقط اتفاقًا، ثم يغسل الثاني بعد الصلاة في الفرع الأول، وبعد وجوده في الفرع الثاني. فإن لم يسع الوقت غسل واحد، صلى بدون غسل لأن المحافظة على الوقت مقدمة على طهارة الخبث.
قوله: [فإن كانا ثوبين]: المراد شيئين منفصلين، بحيث يصلى بأحدهما دون الآخر.
قوله: [إن اتسع الوقت] إلخ: أي والثوب الباقي لم يغسل محكوم بطهارته.
قوله: [واجتهد]: أي تحرى طهارة ثوب وصلى به إن وجد سعة من الوقت لتحريه، وإلا صلى بأيهما. وما قاله الشارح تبعًا للشيخ خليل هو المعول. وقال ابن الماجشون: إذا أصاب أحد الثوبين أو الأثواب نجاسة ولم تعلم عينها صلى بعدد النجس، وزيادة ثوب كالأواني. وفرق للمعتمد بين الأواني والأثواب بخفة الأخباث عن الأحداث.
قوله: [إن انفصل الماء طاهرًا]: أي ولا يضر تغيره بالأوساخ، وذلك كثوب البقال واللحام إذا أصابته نجاسة. فلا يشترط في تطهيره إزالة ما فيه من الأوساخ، بل متى انفصل الماء خاليًا عن أعراض النجاسة كفى، كما قال الشارح.
قوله: [وزال طعمها]: ويتصور الوصول إلى معرفة ذوق النجاسة -وإن كان لا يجوز ذوقها- بأن تكون في الفم، أو تحقق أو غلب على الظن زوالها، فجاز له ذوق المحل، اختبارًا أو ارتكب النهي وذاقها. وحرمة ذواقها مبني على أن التلطخ بها حرام والمعتمد الكراهة كما تقدم اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [بخلاف لون وريح] إلخ: أي ولا يجب أشنان ونحوه لإزالتهما، بخلاف الطعم فلا بد من زواله على كل حال.
قوله: [شيء من ذلك]: أي من أعراض النجاسة لونًا أو طعمًا أو ريحًا.
قوله: [وأما اللون والريح] إلخ: إن قلت: ما الفرق بين اللون والريح وبين الطعم؟ قلت: الفرق أن طعم جرم النجاسة باق معه بخلاف اللون والريح فهما من الأعراض. قوله: [لم يلزمه عصره]: أي حيث زال الطعم وكذا لا يلزمه تثليث الغسل خلافًا للشافعية، ولا تسبيعه خلافًا للحنابلة انتهى شيخنا في مجموعه.
قوله: (ذنوبًا): بفتح الذال: الدلو. وهذا الحديث فيه رد على من يأمر بالتثليث أو التسبيع.
قوله: [وإن شك في إصابتها]: أي مع تحقق النجاسة أو ظنها بدليل آخر العبارة قوله: [ولثوب أو حصير]: والفرق بين البدن وغيره، أن البدن لا يفسد بالغسل، بخلاف غيره فقد يفسد بالغسل، فخفف فيه عند الشك في الإصابة. ولم يتعرض المصنف للأرض التي شك في إصابتها، هل تغسل أو تنضح؟ ولكن الذي حكاه ابن عرفة: أنها تغسل اتفاقًا وقيل: تنضح كما في الحطاب وغيره اهـ من شيخنا في مجموعه. ولكن لا وجه لنضحها بدليل الفرق المتقدم بين البدن وغيره.
قوله: [بلا نية]: قيد في النضح لأنه المتوهم لكونه تعبديًا. وأما توهم كون الغسل بنية فبعيد.
قوله: [فإن ترك أعاد الصلاة] إلخ: ما ذكره المصنف من إعادة من ترك النضح الصلاة كمن ترك غسل النجاسة المحققة، قول ابن حبيب، وهو ضعيف، والمعتمد قول ابن القاسم وسحنون وعيسى من أنه يعيد في الوقت فقط لخفة أمر النضح، ويمكن تمشيته على المعتمد بجعل التشبيه في مطلق الإعادة ليس بتام. بل قال القرينان؛ أشهب وابن نافع وابن الماجشون: لا إعادة عليه أصلًا. ولخفة النضح لم يقل أحد بإعادة الناسي أبدًا كما قيل به في ترك غسل النجاسة وذلك لأن
1 / 33