يعفى عما أصاب الخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها في الطرق والأماكن التي تطرقها الدواب كثيرًا لعسر الاحتراز من ذلك. بخلاف غير الدواب كالآدمي والكلب والهر ونحوها، فلا يعفى عما أصاب من فضلاتها. وبخلاف ما أصاب غير الخف والنعل كالثوب والبدن فلا عفو، وهو معنى قول الشيخ: " لا غيره ". وألحق اللخمي رجل المكلف الفقير الذي لا قدرة له على تحصيل خف أو نعل في العفو بالخف والنعل. وأما غير الفقير فلا يعفى عما أصاب رجله منهما لعدم عذره. وبعضهم ألحقها بهما أيضًا. وشرط العفو أن [١] دلك كل من الخف أو النعل أو الرجل بخرقة أو تراب أو حجر أو مدر دلكًا لا يبقى معه شيء من العين.
(وما تفاحش ندب غسله كدم البراغيث): أي أن ما تفاحش مما تقدم ذكره من المعفوات بأن خرج عن العادة حتى صار يستقبح النظر إليه، فإنه يندب غسله. كما أنه يندب غسل دم البراغيث إذا تفاحش لا إن لم يتفاحش.
(وما سقط من المسلمين على مار حمل على الطهارة، وإن سأل صدق العدل): الواو استئنافية، وما مبتدأ، وحمل خبره؛ يعني أن الماء الذي يسقط على شخص مار أو جالس في طريق من سقف ونحوه ولم تقم أمارة على طهارته ولا نجاسته فإنه يحمل على الطهارة فلا يطلب غسله إن كان الماء الساقط من قوم مسلمين، لأن شأنهم الطهارة.
وإن شك في إسلامهم أو كفرهم حملوا على الإسلام، وليس عليه أن يسأل عن طهارته أو نجاسته لكنه إن سأل صدق المجيب إن كان عدل رواية بأن كان مسلمًا صالحًا ذكرًا كان أو أنثى حرًا أو عبدًا. فإن أخبر بالنجاسة وجب الغسل، أي إن بين وجهها أو اتفقا مذهبًا، وإلا ندب. ولا عبرة بإخبار الكافر والفاسق، وينبغي ندب الغسل إن أخبر بالنجاسة. وأما ما سقط من بيوت الكفار فمحمول عند الشك على النجاسة فيجب غسله، إلا أن يخبر عدل حاضر معهم بأنه طاهر. وعبارتنا أحسن من عبارة الشيخ من وجوه كما يعلم بالتأمل.
(وإنما يجب الغسل إن ظن إصابتها فإن علم محلها؛ وإلا فجميع المشكوك): لا يجب غسل المحل المصاب بالنجاسة من بدن أو ثوب أو مكان أو إناء إلا إذا ظن إصابة النجاسة له. وأولى إن علم. فإن علم المحل المصاب اقتصر عليه، وإن لم يعلمه بعينه بأن حصل شك؛ هل أصابت النجاسة المحققة أو المظنونة هذه الناحية أو هذه أو هذا الكم أو الكم الآخر، أو فردة الخف هذه أو الأخرى، تعين غسل جميع ما شك فيه، ولا يكفي الاقتصار على محل واحد،
ــ
[قوله يعفى إلخ] إن قلت إذا كان الذيل يابسًا والنجس كذلك، فلا يتعلق بالذيل شيء فلا محل للعفو قلت قد يتعلق به الغبار وهو غير معفو عنه في غير المحل كما في حاشية الأصل.
قوله: [التي تطرقها الدواب كثيرًا]: هذا القيد نقله في التوضيح عن سحنون.
وعلى هذا فلا يعفى عما أصاب الخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها بموضع لا يطرقه الدواب كثيرًا ولو دلكًا.
قوله: [وألحق اللخمي] إلخ: ومثله غني لم يجد ما ذكر أو لم يقدر على اللبس لمرض. قوله: [لا يبقى معه شيء] إلخ: ولا يعتبر بقاء الريح واللون. قوله: [مما تقدم ذكره] إلخ: يحترز عما لم يذكره كالسيف الصقيل والمرآة فلا يندب غسله للإفساد.
قوله: [من المعفوات]: في الحاشية أن ما دون الدرهم من الدم وما معه يندب غسله، وإن لم يتفاحش وعليه فلا وجه للتقييد بالتفاحش.
قوله: [دم البراغيث] إلخ: فسره في الأصل - تبعًا للخرشي وغيره - بالخرء، قائلًا: وأما دمها الحقيقي فداخل في قول المصنف: ودون درهم. قال شيخنا في مجموعه: وقد يقال هو كدمل زاد على واحدة أي فيعفى عنه ولو زاد على درهم، غاية ما هناك يندب غسله عند التفاحش فتعميم شارحنا صواب.
قوله: [ما سقط من المسلمين] إلخ: حاصل الفقه أن الشخص الساقط عليه شيء، إما أن يكون مارًا أو جالسًا تحت سقائف المسلمين أو كفار أو مشكوك فيهم، وفي كل إما أن يتحقق طهارة الواقع، أو يظنها، أو يتحقق النجاسة، أو يظنها أو يشك.
فهذه خمسة عشر؛ فإن تحققت طهارة الواقع أو ظنت أو تحققت نجاستها أو ظنت فالأمر ظاهر، فهذه اثنتا عشر صورة. وأما إذا شك، فإن كان مارًا أو جالسًا تحت سقائف مسلمين أو مشكوك فيهم حمل على الطهارة ولا يلزمه سؤال. فإن أخبره عدل رواية بالنجاسة عمل عليها إن بين وجهها أو اتفقا مذهبًا، فهاتان صورتان. وإن كانوا كفارًا فإنه يكون نجسًا ما لم يخبره عدل رواية بالطهارة، وإن لم يتفق معه في المذهب ولم يبين وجهها.
قوله: [وليس عليه]: أي وجوبًا فلا ينافي الندب.
قوله: [لكنه إن سأل]: أي كما هو المندوب.
قوله: [إن أخبر بالنجاسة]: أي ما ذكر من الكافر والفاسق.
قوله: [إلا أن يخبر عدل]: أي فيصدق وإن لم يتفق معه في المذهب ولم يبين وجهها كما تقدم. بخلاف الإخبار فيما يحمل على الطهارة فلا بد مع العدالة من اتفاق المذهب كما تقدم.
قوله: [كما يعلم بالتأمل]: أي فإن من تأمل وجد فيها إجمالًا من وجوه وإيهام خلاف المراد.
قوله: [أو المظنونة]: أي فالمشكوكة والمتوهمة لا تعتبر.
قوله: [ما شك فيه]: أي تردد في محلين أو أكثر مع تحقق الإصابة أو ظنها.
قوله: [على محل واحد]: أي حيث كانا متصلين أو في حكمهما كالخفين، فيجب غسلهما معًا ولا يتحرى واحدًا بالغسل فقط على المذهب. وقال ابن العربي إنه يتحرى في الكمين واحدًا يغسله كالثوبين. ومحل الخلاف إذا اتسع الوقت لغسل الكمين ووجد
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (إن).
1 / 32