وشرحه وقراءته لمن شاء بمشيئة رب العالمين، فأقول وبه أستعين: (يقول العبد الفقير المنكسر الفؤاد من التقصير أحمد بن محمد بن أحمد الدردير): القول اللفظ الدال على معنى وضع له ذلك اللفظ ولو في ثاني حال، فيشمل المجاز كأسد للرجل الشجاع، والعبد المراد به المملوك لله تعالى، والفقير: المحتاج إليه تعالى في جميع أحواله، والمنكسر: الحزين، والفؤاد: القلب، وإسناد الانكسار بمعنى الحزن إليه مجاز، وقوله: من التقصير علة لانكسار فؤاده، والمراد به: قلة العمل والتقوى؛ فهو كقول الشيخ - رضي الله تعالى عنه - المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى، وأحمد: بيان للعبد، والدردير: لقب اشتهر به كأبيه وجده بين الناس.
وكان الوالد - رحمه الله تعالى - رجلًا صالحًا عالمًا متقنًا للقرآن، فقد بصره في آخرة [١] عمره، فاشتغل بتعليم الأطفال كتاب الله تعالى، فحفظ القرآن على يده خلق كثير، وكان يعلم الفقراء حسبة لله تعالى لا يأخذ منهم صرافة ولا غيرها، بل ربما واساهم من عنده، وكان كثير السكوت لا يتكلم إلا نادرًا، وورده - في غالب أوقاته صلاة سيدي عبد السلام بن مشيش -رضي الله تعالى عنه-، وكان يبشرني في صغري بأن أكون عالمًا.
مات ﵀ شهيدًا بالطاعون سنة ثمان وثلاثين بعد الألف ومائة،
ــ
وإنما خص المبتدئين لأن غيرهم لا يتوقف فهمه عليه، بل يتعاطى أي كتاب شاء.
قوله: [وشرحه]: بالرفع عطف على فهمه، ومتعلقه محذوف تقديره علي.
قوله: [وقراءته]: بالرفع معطوف على فهمه أيضًا.
وقوله: [لمن شاء] [٢]: متعلق بقراءته، وبمشيئته إلخ راجع للجميع، والمعنى اقتصرت في هذا الشرح على إظهار معاني ألفاظه لأجل سهولة فهمه على المبتدئين القاصرين، ولسهولة شرحه علي، ولسهولة قراءته لمن شاء أن يقرأه، وهذه السهولة تحصل بمشيئة رب العالمين.
قوله: [فأقول]: جواب أما. قوله: [وبه أستعين] السين والتاء للطلب، وقدم المجرور ليفيد الحصر.
قوله: [يقول]: أصله يقول استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى ما قبلها.
قوله: [العبد]: يطلق على معان مشهورة اقتصر الشارح فيما سيأتي على أحدها. قوله: [اللفظ الدال]: احترز به عن اللفظ المهمل كديز مثلًا فلا يقال له قول، ويطلق القول على الرأي والاعتقاد، كما يقال قال أبو حنيفة: كذا أي رأى واعتقد.
قوله: [وضع له ذلك اللفظ]: دخل المعنى المطابقي والتضمني، وخرج المعنى الالتزامي، كعلمنا بحياة المتكلم من وراء جدار، فليس موضوعًا له اللفظ.
قوله: [فيشمل المجاز]: مفرع على قوله ولو في ثاني حال، ووجه ذلك: أن الحقيقة موضوعة وضعًا أوليًا، أي كلمة استعملت فيما وضعت له من أول الأمر، والمجاز موضوع وضعًا ثانويًا لأنه كلمة استعملت في غير ما وضعت له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي: كأسد فإنه في الأصل موضوع للحيوان المفترس، ثم تستعمله في الرجل الشجاع، فتقول: رأيت أسدًا في الحمام مثلًا، فكل من المجاز والحقيقة موضوع وضعًا لغويًا، لكن الحقيقة وضعها أصلي لا يحتاج لقرينة ولا لعلاقة، والمجاز وضعه عرضي يحتاج لعلاقة وقرينة.
قوله: [المراد به المملوك لله تعالى]: إنما اقتصر على ذلك المعنى لشموله وعمومه قال تعالى: ﴿إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا﴾ [مريم: ٩٣]، أي مملوكًا وهو المسمى بعبد الإيجاد.
قوله [٣]: [المحتاج إليه تعالى إلخ]: هذا التفسير يصلح لكون الفقير صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، ولا يخلو عبد منهما دنيا ولا أخرى، ولو وكلنا مولانا طرفة عين لأنفسنا لهلكنا.
قوله: [المنكسر الحزين]: يشير بذلك إلى أن في كلام المصنف استعارة تبعية، حيث شبه حزن القلب بالانكسار الذي هو تفرق أجزاء الشيء الصلب بجامع التلف والتشتت في كل، واستعار اسم المشبه به للمشبه، واشتق منه منكسر بمعنى حزين، والقرينة إضافته للفؤاد.
قوله: [مجاز]: أي عقلي من إسناد ما للكل للبعض الذي هو الفؤاد، وإنما خص الفؤاد دون سائر الأعضاء لأنه محله، ولذلك قال علماء البيان: إذا أسند ما للكل للجزء لا بد أن يكون لذلك الجزء مزية تميزه، إذا علمت ما تقدم من الاستعارة، وما هنا من المجاز العقلي، ففي كلامه مجاز على مجاز.
قوله: (علة لانكسار فؤاده): أي حزنه إنما جاء من رؤية التقصير في حقوق الله، وهذا سنة العارفين بربهم لا يرون لأنفسهم عملًا، كما قال السيد البكري: إلهي إني أخاف أن تعذبني بأفضل أعمالي.
قوله: [كقول الشيخ إلخ]: المراد به الشيخ خليل.
قوله: [بيان] أي عطف بيان، ويصح أن يكون بدلًا لأن نعت المعرفة إذا تقدم عليها يعرب بحسب العوامل، وتعرب منه بدلًا أو عطف بيان، بخلاف نعت النكرة إذا تقدم عليها فيعرب حالًا، وتعرب هي على ما كانت عليه كقول الشاعر:
لمية موحشًا طلل
قوله: [في غالب أوقاته]: وهي الأوقات التي لم يكن مشغولًا فيها بالقرآن.
قوله: [عبد السلام إلخ]: هو شيخ أبي الحسن الشاذلي، وناهيك بشيخ، الشاذلي تلميذه، ومشيش -بشينين معجمتين وأوله ميم أو باء موحدة - وأخبرنا الأستاذ الشارح عن والده المذكور، أن زوجته كانت تدخل عليه فتجد عنده شموعًا موقدة في أوقات الظلام، فتسأله عن ذلك فيقول: إنها أنوار الصلاة على النبي ﷺ، وأخبرنا أيضًا أنهم كانوا في ضيق عيش فتوضع الصحفة فيها الطعام القليل بين يديه، فيقرأ عليها سورة قريش، فيبارك فيها ويأكل منها الناس الكثيرون. قال الشيخ فصرت أقرأ
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (آخر).
[٢] زاد بعدها في ط المعارف: (لمن شاء).
[٣] ليست في ط المعارف.
1 / 4