بأن يزيد على المرتين كل يوم وإلا وجب غسلها؛ لأن اليد لا يشق غسلها كالثوب والبدن. ويعفى عن ثوب المرضعة أو جسدها يصيبه بول أو غائط من الطفل سواء كانت أمًا أو غيرها، إذا كانت تجتهد في درء النجاسة عنها حال نزولها، بخلاف المفرطة. ودخل الجزار والكناف والطبيب الذي يزاول الجروح تحت الكاف. وندب لها ولمن ألحق بها استعداد ثوب للصلاة.
(وقدر درهم من دم وقيح وصديد): أي: يعفى عن قدر الدرهم البغلي وهو الدائرة السوداء الكائنة في ذراع البغل فدون. وقول الشيخ: و"دون درهم " المفيد أن ما كان قدر الدرهم لا يعفى عنه، ضعيف. وسواء كان ما ذكر من الدم وما بعده أصابه من نفسه أو من غيره من آدمي أو من غيره - ولو من خنزير - بثوب أو بدن أو مكان، كما يفيده إطلاق عبارته. وصرح الشيخ بالإطلاق لكن قدمه على القيح والصديد والأولى له تأخيره عنهما.
(وفضلة دواب لمن يزاولها) أي: أن فضلة الدواب من بول أو روث - سواء كانت الدواب خيلًا أو حميرًا أو بغالًا - إذا أصابت ثوب أو بدن من شأنه أن يزاولها بالرعي أو العلف أو الربط ونحو ذلك - يعفى عنها؛ لأن المدار على المشقة وهي حاصلة لمن شأنه مزاولتها. لو أمر بالغسل كلما أصابته فلا مفهوم للقيود التي ذكرها الشيخ بقوله: " وبول فرس لغاز بأرض حرب ".
(وأثر ذباب من نجاسة ودم حجامة مسح حتى يبرأ) أي: يعفى عن أثر الذباب يقع على العذرة أو البول أو الدم بأرجله أو فمه، ثم يطير ويحط على ثوب أو بدن. فقولنا: من نجاسة بيان لأثر وهو أعم من قوله " من عذرة " إذ لا مفهوم لها.
ــ
يخرج منه وعليه بلولة النجاسة، وفي (عب) الظاهر أن خروج الصرم كالباسور.
قوله: [بأن يزيد على المرتين] إلخ: وقيل بل على المرة الواحدة ومثل اليد الخرقة التي يرد بها.
قوله: [كالثوب]: أي الملبوس لا التي يرد بها فإنها كاليد كما علمت.
قوله: [عن ثوب المرضعة] إلخ: أي لإمكانها فلا يعفى عما أصابه إن أمكنها التحول عنه. قوله: [أو غيرها]: أي إن احتاجت للإرضاع لفقرها أو لم يقبل الولد غيرها، وإلا فلا يعفى عما أصابها خلافًا للمشذالي في جعلها كالأم مطلقًا. قوله: [تجتهد] قيد في المرضعة مطلقًا أمًا أو غيرها، فإذا اجتهدت وأصابها شيء عفي عنه، غاية الأمر أنه يندب لها غسله إن تفاحش، ولا يجب عليها غسل ما أصابها من بوله أو عذرته ولو رأته، خلافًا لابن فرحون القائل بأن ما رأته لا بد من غسله.
قوله: [ودخل الجزار] إلخ: أي فيعفى عنهم إن اجتهدوا كالمرضعة.
قوله: [ولمن ألحق بها]: أي ممن دخل تحت الكاف. وأما صاحب السلس فلا يندب له إعداد ثوب لعدم ضبطه.
قوله: [وقدر درهم]: أي ولو كان مخلوطًا بماء حيث كان طاهرًا. نعم إن خالطه نجس غير معفو عنه انتفى العفو. وخالفت الشافعية؛ فعندهم نصف درهم مثلًا من دم إذا طرأ عليه قدر نصفه ماء طهورًا لا يعفى عنه لأن الدم نجس الماء، وإذا طرأ عليه ذلك من نفس عين الدم النجس ما زال معفوًا عنه وهذا مما يستغرب. وقد يلغز به، وقد قلت في ذلك:
حي الفقيه الشافعي وقل له ... ما ذلك الحكم الذي يستغرب
نجس عفوا عنه فلو خالطه ... نجس طرا فالعفو باق يصحب
وإذا طرا بدل النجاسة طاهر ... لا عفو يا أهل الذكاء تعجبوا
اه من حاشية شيخنا على مجموعه. وأما لو صار بسبب المائع زائدًا على درهم فلا عفو. والعفو عن يسير الدم والقيح والصديد في الصلاة وخارجها في جميع الحالات. وقيل اغتفاره مقصور على الصلاة؛ فلا تقطع لأجله إذا ذكره فيها، ولا يعيد. وأما إذا رآه خارجها فإنه يؤمر بغسله. هكذا حكي عن المدونة. واختلفوا في الأمر بالغسل، فقيل: ندبًا، وقيل: وجوبًا والمعول عليه ما مشى عليه المصنف من الإطلاق وهو مذهب العراقيين.
قوله: [وهو الدائرة]: أشار الشارح إلى أن المعتبر المساحة لا الكمية، أي فالعبرة بقدره في المساحة ولو كان أكثر في الكمية كنقطة من الدم ثخينة. اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [ضعيف] إلخ: اعلم أن المسألة فيها ثلاثة [١] طرق، الأولى: أن ما دون الدرهم يعفى عنه اتفاقًا، وما فوقه لا يعفى عنه اتفاقًا، وفي الدرهم روايتان: والمشهور عدم العفو. والثانية: ما دون الدرهم يعفى عنه على المشهور، والدرهم وما فوقه لا يعفى عنه اتفاقًا. والثالثة: أن الدرهم من حيز اليسير وهذا هو الراجح، فلذلك اقتصر عليه مصنفنا تبعًا لابن عبد الحكم وصاحب الإرشاد.
تنبيه: إنما اختص العفو بالدم وما معه لأن الإنسان لا يخلو عنه، فهو كالقربة المملوءة بالدم والقيح والصديد، فالاحتراز عن يسيره عسر، دون غيره من النجاسات كالبول والغائط والمني والمذي. وما نقل عن مالك من اغتفار مثل رؤوس الإبر من البول ضعيف. نعم ألحق بعضهم بالمعفوات المذكورة ما يغلب على الظن من بول الطرقات إذا لم يتبين، فلا يجب غسله من ثوب أو جسد، أو خف مثل أن تزل الرجل من النعل وهي مبلولة فيصيبها من الغبار ما يغلب على الظن مخالطة البول له إذ لا يمكن التحرز منه. انتهى بالمعنى من حاشية الأصل.
قوله: [فلا مفهوم للقيود]: أي الأربعة وهي: بول وفرث وغاز وأرض الحرب. لأن المدار على مشقة الاحتراز. وحاصل الفقه أن كل من عانى الدواب يعفى عما
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (ثلاث).
1 / 30