إن ظن سريانها فيه وإلا فقدر ما ظن): إذا حلت النجاسة في مائع - كزيت وعسل ولبن وماء ورد ونحوه - تنجس. ولو كثر المائع وقلت النجاسة، كنقطة من بول في قناطير مما ذكر. كما يتنجس الجامد - كسمن جامد أو ثريد أو عسل جامد - وقعت فيه نجاسة أو ماتت فيه فأرة إن ظل سريانها في جميعه بأن طال مكثها فيه. وإلا، بأن لم يظن سريانها في جميعه، فيتنجس منه بقدر ما ظن سريان النجاسة فيه. وهو يختلف باختلاف الأحوال من ميعان النجاسة وجمودها، وطول الزمن وقصره؛ فيرفع منه بقدر ما ظن سريانها فيه، ويستعمل الباقي - ولو شك في سريانها فيه - لأن الطعام لا يطرح بالشك. والكلام في نجاسة مائعة أو جامدة يتحلل منها شيء بخلاف نجاسة لا يتحلل منها شيء، كعظم وسن، فلا يتنجس ما ذكر من سقوطها فيه؛ لأن الحكم عندنا لا ينتقل. وهذه العبارة أشمل وأوضح من عبارة الشيخ - رضي الله تعالى عنه -.
(ولا يقبل التطهير؛ كلحم طبخ، وزيتون ملح وبيض صلق بها وفخار بغواص): يعني أن المائعات - كالزيت واللبن والسمن ونحوها - إذا حلت فيها نجاسة فإنها تنجس كما تقدم، ولا تقبل التطهير بحال. كما لا يقبله لحم طبخ بالنجاسة، وزيتون ملح - بضم الميم وكسر اللام مخففا - بالنجاسة، ولا بيض صلق بها. وألحق بذلك فخار تنجس بشيء غواص: أي كثير الغوص، أي النفوذ في أجزاء الفخار، بأن كان النجس مائعًا كالبول والماء المتنجس والدم، إذا مكث مدة يظن سريان ما ذكر في أجزائه. وخرج بالفخار: النحاس والزجاج
ــ
مضاف حلت فيه النجاسة بعدما صار مضافًا. وأما لو حلت فيه نجاسة قبل الإضافة ولم تغيره، ثم أضيف بطاهر كلبن، فإنه طاهر. وقد ألغز في هذا شيخنا في مجموعه بقوله:
قل للفقيه إمام العصر قد مزجت ... ثلاثة بإناء واحد نسبوا
لها الطهارة حيث البعض قدم أو ... إن قدم البعض فالتنجيس ما السبب
وفيه أيضًا: هل القملة تنجس العجين الكثير؟ وهو الأقوى حيث لم تحصر في محل، أو يقاس على محرم جهل عينها ببادية؟ ولو قيل بالعفو كما [١] يعسر، لحسن كما أفتى به ابن عرفة في روث فأرة ابن القاسم؛ من فرغ عشر قلال سمن في زقاق ثم وجد في قلة فأرة ولا يدري في أي زقاق فرغها تنجس الجميع، وليس من باب الطعام لا يطرح بالشك، لأن ذاك في طرو النجاسة، وهي هنا محققة ولما لم تتعين تعلق حكمها بالكل وهو المشهور. ولو أدخل يده في أواني زيت ثم وجد في الأولى فأرة فالثلاثة نجسة - ابن عبد الحكم، وكذا الباقي ولو مائة وهو وجيه، وقال أصبغ: ما بعد الثلاثة طاهر. قال (ح): والظاهر الطهارة إن ظن زوال النجاسة لقول المصنف: وإن زال عين النجاسة بغير المطلق لم يتنجس ملاقي محلها. وفي الحاشية: الطعام إذا وقعت فيه قملة يؤكل لقلتها وكثرته، نص عليه ابن يونس. قال شيخنا في مجموعه: والظاهر أن الفرع مبني على مذهب سحنون من أنها لا نفس لها سائلة. اهـ.
قوله: [إن ظن سريانها فيه]: إما بسبب كونها مائعة، أو بطول مكثها، وكان يتحلل منها شيء كما يأتي للشارح.
قوله: [كنقطة من بول]: هذا هو المشهور، ومقابله يقول: إن قليل النجاسة لا يضر كثير الطعام.
قوله: [أو ماتت فيه فأرة]: أي مثلًا من كل حيوان ميتته نجسة.
قوله: [ولو شك في سريانها] إلخ: مبالغة في الاستعمال.
وقوله: [لأن الطعام] إلخ: علة المبالغة.
قوله: [والكلام]: أي المتقدم من التفصيل بين السريان في جميعه أو بقدره.
قوله: [كعظم وسن]: ومنه العاج الذي تلبسه النساء ويباشرن به نحو العجين.
قوله: [أشمل]: أي لشمولها الماء المضاف.
قوله: [كلحم طبخ]: احترز به عن صلق نحو الدجاج لأخذ ريشه، وفي باطنه النجاسة فلا يضر.
قوله: [وزيتون] إلخ: ومن ذلك اختلاط النجاسة بالزيت نفسه فلا يقبل التطهير خلافًا لابن اللباد، فإنه قال يمكن تطهيره بصب الماء عليه وخضخضته وثقب الإناء من أسفله، وصب الماء منه ويكرر ذلك حتى يغلب على الظن زوال النجاسة.
قوله: [وبيض صلق]: ومنه إذا وجدت فيه واحدة مذرة فرشحت في الماء وشرب منه غيرها حيث لم يبق الماء مطلقًا. وشمل بيض النعام، وغلظ قشره لا ينافي أن يكون له مسام يسري منها الماء.
وقوله: [وفخار بغواص]: قال (بن): أطلق في الفخار والظاهر أن الفخار البالي إذا حلت فيه نجاسة غواصة يقبل التطهير، فيحمل كلام المصنف على فخار لم يستعمل قبل حلول النجاسة فيه، أو استعمل قليلًا. وهذا خلاف ما في الحاشية حيث قال وفخار بغواص ولو بعد الاستعمال، لأن الفخار يقبل الغوص دائمًا كما في كبير الخرشي نقلًا عن اللقاني. والأول أوجه. ثم إن عدم قبول الإناء للتطهير إنما هو باعتبار أنه لا يصلى به مثلًا. وأما الطعام يوضع فيه بعد غسله فإنه لا ينجس به لأنه لم يبق فيه أجزاء للنجاسة كما قاله أبو علي المسناوي نقلًا عن (بن). ومثل الفخار أواني الخشب التي يمكن سريان النجاسة إلى داخلها اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [يعني أن المائعات] إلخ: التعميم هذا أدخلته الكاف.
قوله: [ونحوها]: من كل طعام مائع وماء زهر وورد.
قوله: [بحال]: خلافًا لابن اللباد.
قوله: [بشيء غواص]: محله في غير الخمر
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (عما).
1 / 23