في الماء المطلق بأن يوضع الماء فيه سفرًا وحضرًا، لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. وأما المائعات كالسمن والعسل والزيت وسائر الأدهان، والماء الغير المطلق - كماء الورد - ومن ذلك الخبز المبلول قبل جفافه، والجبن فإنه لا يجوز وضعه فيه، ويتنجس بوضعه فيه.
وهذا معنى قوله: وجاز استعماله بعد الدبغ في يابس ومائع: أي وأما قبل الدبغ فلا يجوز واستثنوا من ذلك جلد الخنزير فلا يجوز استعماله مطلقًا دبغ أو لا في مائع أو غيره. وكذا جلد الآدمي لشرفه وكرامته كما يعلم من وجوب دفنه.
(والدم المسفوح والسوداء، وفضلة الآدمي وغير المباح ومستعمل النجاسة): أي أن الدم المسفوح - وهو الذي يسيل عند موجبه من ذبح أو فصد أو جرح - نجس. وكذا السوداء وهو ما يخرج من المعدة كالدم الخالص بخلاف الصفراء كما تقدم. ومن النجس: فضلة الآدمي من بول وعذرة، وفضلة غير مباح الأكل وهو محرم الأكل كالحمار، أو مكروهه كالهر والسبع، وفضلة مستعمل النجاسة من الطيور كالدجاج وغيره أكلًا أو شربًا. فإذا شربت البهائم من الماء المتنجس أو أكلت نجاسة ففضلتها من بول أو روث نجسة. وهذا إذا تحقق أو ظن. وأما لو شك في استعمالها فإن كان شأنها استعمال النجاسة كالدجاج والفأرة والبقرة الجلالة حملت فضلتها على النجاسة. وإن كان شأنها عدم استعمالها كالحمام والغنم حملت على الطهارة. والتعبير بفضلة أولى وأخصر من تعبيره ببول وعذرة
(والقيء المتغير، والمني، والمذي، والودي ولو من مباح) القيء ما تقذفه المعدة من الطعام عند تغير المزاج، فهو نجس إن تغير عن حال الطعام طعمًا أو لونًا أو ريحًا، وإلا فطاهر كما تقدم. ومن النجس: المني وهو ما يخرج عند اللذة الكبرى عند الجماع ونحوه. والمذي: وهو الماء الرقيق الخارج من الذكر أو فرج الأنثى عند تذكر الجماع. والودي: وهو ماء خاثر يخرج من الذكر بلا لذة بل لنحو مرض أو يبس طبيعة وغالبًا يكون خروجه عقب البول؛ ولو كانت هذه الثلاثة من مباح الأكل. ولا تقاس على بوله.
(والقيح، والصديد، وما يسيل من الجسد من نحو جرب): من النجس القيح بفتح القاف: وهو المدة الخاثرة تخرج من الدمل. والصديد وهو الماء الرقيق من المدة قد يخالطه دم.
ومن النجس: كل ما سال من الجسد من نفط نار أو جرب أو حكة ونحو ذلك.
(فإن حلت في مائع تنجس ولو كثر، كجامد
ــ
قوله: [في الماء المطلق] إلخ: وليس منه لبس الرجل المبلولة له وفاقًا للحطاب ذكره شيخنا في مجموعه.
قوله: [فلا يجوز] إلخ: ومقابله ما شهره الإمام أبو عبد المنعم بن الفرس -بالفاء والراء المفتوحتين- من أنه كغيره في جواز استعماله في اليابسات والماء بعد دبغه.
قوله: [جلد الآدمي] إلخ: أي إجماعًا.
قوله: [المسفوح]: أي الجاري ولو من سمك وذباب وقراد وحلم وبق وبراغيث خلافًا لمن قال بطهارته منها. ونظر بعضهم في الدم المسفوح من السمك، هل هو الخارج عند التقطيع الأول لا ما خرج عند التقطيع الثاني؟ أو الجاري عند جميع التقطيعات؟ واستظهر الأول. وبعضهم قال بطهارة دم السمك مطلقًا، وهو ابن العربي، ويترتب على الخلاف جواز أكل السمك الذي يرضخ بعضه على بعض ويسيل دمه من بعضه إلى بعض، وعدم جواز ذلك. فعلى القول بنجاسته لا يؤكل منه إلا الصف الأول. وعلى كلام ابن العربي يؤكل كله. وقد كان الشارح ﵁ يقول الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت، والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية؛ فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك. اهـ. ومذهب الحنفية أن الخارج من السمك ليس بدم لأنه لا دم له عندهم، وحينئذ فهو طاهر على كل حال. وعلى القول بنجاسة الدم المسفوح فيه إذا شك هل هذا السمك من الصف الأعلى أو من غيره، أكل لأن الطعام لا يطرح بالشك.
قوله: وكذا السوداء: أي التي هي أحد الأخلاط الأربعة: الصفراء والدم والسوداء والبلغم، ولا بد في كل إنسان من وجود الأخلاط، فالسوداء والدم نجسان، والصفراء والبلغم طاهران.
قوله: [الخالص]: أي الذي لا خلط فيه. ومن السوداء أيضًا الدم الكدر أو الأحمر الغير القاني، أي شديد الحمرة.
قوله: [فضلة الآدمي]: أي غير الأنبياء، وأما الأنبياء فجميع ما ينفصل منهم طاهر كما تقدم.
قوله: [كالهر]: أدخلت الكاف نحو الوطواط من كل مكروه الأكل، فمكروه الأكل ومحرمه فضلته نجسة وإن لم يستعمل النجاسة.
قوله: [وفضلة مستعمل النجاسة] إلخ: أي وإن لم يكن محرم الأكل ولا مكروهه.
قوله: [حملت على الطهارة]: أي استصحابًا للأصل، ومن قواعدنا استصحاب الأصل إن لم يغب العارض.
قوله: [أولى وأخصر]: وجه الأولوية أن اسم العذرة لا يكون إلا لما خرج من الآدمي خاصة، بخلاف الفضلة فإنه شامل له ولغيره والأخصرية ظاهرة.
قوله: [عن حال الطعام]: وإن لم يشابه أحد أوصاف العذرة كما تقدم من المعتمد. بخلاف القلس فلا تضر فيه الحموضة لتكرره.
قوله: [المني]: هو ومذي وودي بوزن ظبي وصبي.
قوله: [من مباح الأكل]: أي وإنما حكم بنجاستها للاستقذار والاستحالة إلى فساد، ولأن أصلها دم ولا يلزم من العفو عن أصلها العفو عنها.
قوله: [في مائع تنجس] إلخ: أي من طعام أو ماء
1 / 22