خلافًا لمن قال إنه إذا زال تغيره بنفسه طهر لأن علة تنجيسه تغيره وقد زالت. وأما لو زال تغيره بصب ماء مطلق فيه ولو قل لعادت له الطهورية. وكذا إذا زال بسقوط شيء طاهر فيه كتراب أو طين فإنه يكون طهورًا إذا زال أثر ما سقط فيه. ومفهوم متنجس: أنه لو زال تغير الطاهر بنفسه لكان طهورًا.
فصل: في بيان الأعيان الطاهرة والنجسة
(الطاهر: الحي، وعرقه، ودمعه ومخاطه، ولعابه، وبيضه، إلا المذر وما خرج بعد موته): الأصل في الأشياء الطهارة. فجميع أجزاء الأرض وما تولد منها طاهر، والنجاسة عارضة. فكل حي - ولو كلبًا وخنزيرًا - طاهر، وكذا عرقه وما عطف عليه، إلا البيض المذر، بفتح الميم وكسر الذال المعجمة، وهو ما تغير بعفونة أو زرقة، أو صار دمًا؛ فإنه نجس بخلاف الممروق: وهو ما اختلط بياضه بصفاره من غير نتونة وإلا ما خرج من الحيوان من بيض أو مخاط أو دمع أو لعاب بعد موته بلا ذكاة شرعية؛ فإنه يكون نجسًا. فهذا في الحيوان الذي ميتته نجسة.
(وبلغم، وصفراء، وميت الآدمي، وما لا دم له، والبحري، وما ذكي من غير محرم الأكل، والشعر، وزغب الريش): البلغم: وهو ما يخرج من الصدر منعقدًا كالمخاط، وكذا ما يسقط من الدماغ من آدمي أو غيره، طاهر. وكذا الصفراء: وهي ماء أصفر ملتحم يخرج من المعدة يشبه الصبغ الزعفراني؛ لأن المعدة عندنا طاهرة فما خرج منها طاهر، ما لم يستحل إلى فساد كالقيء المتغير. ومن الطاهر: ميتة الآدمي ولو كافرًا على الصحيح.
وميتة ما لا دم له من جميع خشاش الأرض؛ كعقرب،
ــ
يطهر وهو قول ابن وهب عن [١] مالك، واعتمد الأجهوري و(عب) أنه لا يطهر. ورجح ابن رشد ما لابن وهب وفيه نظر. اهـ تقرير الشارح
قوله: [لعادت له الطهورية]: أي اتفاقًا.
قوله: [فإنه يكون طهورًا]: قال شيخنا في مجموعه: حاصل ما أفاده الأجهوري وتلامذته والزرقاني وابن الإمام التلمساني: إذا زال تغير النجس بنحو تراب، فإن ظن زوال أوصاف النجاسة طهر، وإن احتمل بقاؤها، غاية الأمر أنها خفيت بالمخالط فنجس. وبعد، فالقياس في غير صب المطلق تخريج الفرع من أصله على ما سبق في المخالط الموافق. وقد سبق أن الأظهر فيه الضرر، فلذا اعتمدنا هنا بقاء النجاسة تبعًا للأجهوري و(عب) و(شب) و(خش) وإن اعتمد (بن) الطهورية. اهـ.
قوله: [لكان طهورًا]: أي اتفاقًا ومفهومه أيضًا أنه لو زال تغير نفس النجاسة كالبول فنجس جزمًا؛ لأن نجاسته لبوليته لا لتغيره، ولا وجه لما حكي عن ابن دقيق العيد من الخلاف فيه كما في (شب) اهـ. شيخنا في مجموعه.
فصل:
هو لغة الحاجز بين الشيئين، واصطلاحًا اسم لطائفة من مسائل الفن مندرجة تحت باب أو كتاب غالبًا.
ولما قدم أن المتغير بالطاهر طاهر. وبالنجس نجس ناسب أن يبين الأعيان الطاهرة والنجسة في هذا الفصل.
قوله: [الطاهر]: بينه وبين المباح عموم وخصوص من وجه، فيجتمعان في الخبز مثلًا، وينفرد الطاهر في السم، وينفرد المباح في الميتة للمضطر. كذا في الحاشية. ويعلم من هذا أن بين النجس والممنوع عموم وخصوص وجهي أيضًا؛ فيجتمعان في الخمر مثلًا، وينفرد الممنوع في السم والنجس في الميتة للمضطر.
قوله: [الحي]: أي من قامت به الحياة وهي ضد الموت، فهي صفة تصحح لمن قامت به الحركة الإرادية.
قوله: [وبيضه]: أي ولو من حشرات.
قوله: [فجميع أجزاء الأرض]: أي لأنها من جملة الجماد. وسيأتي ذكره.
قوله: [وما تولد منها]: أي كالنباتات لأنها من الجماد أيضًا، وجميع الحيوانات لأنها من المني، وهو ناشئ من الغذاء، وهو مما يخرج من الأرض فلذلك فرع عليه قوله "فكل حي" إلخ.
قوله: [فكل حي]: أي ولو كافرًا أو شيطانًا ونجاستهما معنوية. قوله: [وكذا عرقه]: ولو شارب خمر.
قوله: [وما عطف عليه]: الذي هو دمعه ومخاطه ولعابه وبيضه. وهي طاهرة ولو أكل نجسًا، ومحل كون اللعاب طاهرًا إن خرج من غير المعدة. وأما الخارج من المعدة فنجس وعلامته أن يكون أصفر منتنًا.
قوله: [أو صار دمًا]: وأولى ما صار مضغة أو فرخًا ميتًا، وأما وجود نقطة دم غير مسفوح فيه فلا تضر.
قوله: [من بيض]: أي ولو يابسًا.
قوله: [فهذا في الحيوان الذي ميتته نجسة]: وأما الخارج مما ميتته طاهرة -كالسمك والجراد- والخارج بعد الموت بذكاة شرعية، فجميعه طاهر.
قوله: [وميت الآدمي]: بسكون الياء والمشدد للحي قال تعالى: ﴿إنك ميت﴾ [الزمر: ٣٠] قال بعض الأدباء [٢]:
أيا سائلي تفسير ميت وميت ... فدونك قد فسرت ما عنه تسأل
فما كان ذا روح فذلك ميت ... وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
هذا هو الأصل الغالب في الاستعمال ولا يكادون يستعملون "ميتة" بالتاء إلا مخففًا اهـ شيخنا في مجموعه.
قوله: [الآدمي]: إنما كان طاهرًا لتكريمه قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ [الإسراء: ٧٠].
قوله: [كالقيء المتغير]: ومثله الصفراء المنتنة. قوله: [ما لا دم له]: هو معنى قول غيره: لا نفس له سائلة أي لا دم ذاتي له، بل إن وجد فيه دم يكون منقولًا ويحكم. بنجاسة الدم فقط، فلذلك قال: "لا دم له" ولم يقل: لا دم فيه.
قوله: [خشاش الأرض]: أي وليس منه ما هو كالوزغ والسحالي من كل ما له لحم ودم. واعلم أنه لا يلزم من الحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة، أنه يؤكل بغير ذكاة؛ لقول الشيخ خليل: وافتقر نحو الجراد لها بما
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (ظن).
[٢] قوله: (قال بعض الأدباء) في ط المعارف: (قيل).
1 / 18