(وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد): يعني أن الماء المطلق الذي يرفع الحدث وحكم الخبث هو ما صدق عليه اسم ماء من غير قيد؛ أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلًا من المائعات؛ كالخل والسمن. وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها. فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها.
(وإن جمع من ندى أو ذاب بعد جموده): هذا مبالغة في قوله يرفع إلخ.
أي أن الحدث وحكم الخبث يرتفعان بالماء المطلق، ولو جمع المطلق من الندى الساقط على أوراق الأشجار أو الزرع، أو كان جامدًا كالبرد والجليد، ثم ذاب بعد جموده.
(ما لم يتغير [١] لونًا أو طعمًا أو ريحًا بما يفارقه غالبًا من طاهر، أو نجس مخالط أو ملاصق، لا مجاور): يعني أن الماء المطلق يرفع الحدث وحكم الخبث مدة كونه لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء شأنه مفارقة الماء غالبًا من طاهر - كلبن وسمن وعسل وحشيش وورق شجر ونحوها - أو نجس - كدم وجيفة وخمر ونحوها. فإن تغير بشيء من ذلك سُلب الطهورية فلم يرفع ما ذكر. ومحل سلبه الطهورية إن خالط شيء مما ذُكر الماء، بأن امتزج به أو لاصقه، كالرياحين المطروحة على سطح الماء، والدهن الملاصق له، فنشأ من ذلك تغير أحد أوصاف الماء، لا إن جاوره، فتكيف الماء بكيفية المجاور، فلا يضر. ومن المجاور: جيفة مطروحة خارج الماء فتغير ريح الماء منها، أو بخرت الآنية ببخور وصب فيها الماء بعد ذهاب الدخان، أو وضع ريحان فوق شباك قلة بحيث لم يصل الماء فتكيف الماء بريح ذلك، فإنه لا يضر. بخلاف ما لو صب الماء
ــ
كما سيأتي في قوله وإن شك في إصابتها لثوب وجب نضحه.
قوله: (وهو ما صدق عليه إلخ): الصدق معناه الحمل؛ أي ما حمل عليه اسم ماء إلخ.
قوله: [بلا قيد]: أي لازم غير منفك عنه أصلًا، فكلامه شامل لما إذا صدق عليه اسم ماء بلا قيد أصلًا أو مقيدًا بقيد غير لازم كماء البئر مثلًا كما يفيده الشارح في الحل.
قوله: [يعني أن الماء المطلق] إلخ: أي ففرق بين قولهم الماء المطلق ومطلق ماء، فالأول ما علمت.
والثاني صادق بكل ماء ولو مضافًا، وهذا اصطلاح للفقهاء ولا مشاحة فيه.
قوله: [أي ما صح إطلاق] إلخ: أي الحمل عليه والإخبار عنه.
قوله: [والآبار] إلخ: أي ولو آبار ثمود، فماؤها طهور على الحق وإن كان التطهير به غير جائز. فلو وقع ونزل وتطهر بها وصلى فهل تصح الصلاة أو لا؟ استظهر الأجهوري الصحة وفي الرصاع على الحدود عدمها، واعتمدوه كما ذكره في الحاشية. وعدم الصحة تعبدي لا لنجاسة الماء لما علمت أنه طهور. وكما يمنع التطهير بمائها يمنع الانتفاع به في طبخ وعجن لكونه ماء عذاب، ويستثنى منها البئر التي كانت تردها الناقة فإنه يجوز التطهير والانتفاع بمائها، وكما يمنع التطهير بمائها يمنع التيمم بأرضها أي يحرم، وقيل بجوازه وصححه التتائي. وما قيل في آبار ثمود يقال في غيرها من الآبار التي في أرض نزل بها العذاب كديار لوط وعاد انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [وإن جمع من ندى]: أي ولو تغيرت أوصافه لأنه كالقرار، ولا يخص بتغير الريح ولا بما جمع من فوقه خلافًا للأصل والخرشي.
قوله: (أو ذاب إلخ): أي تميع سواء كان بنفسه أو بفعل فاعل.
قوله: (كالبرد): هو النازل من السماء جامدًا كالملح قال تعالى: ﴿وينزل من السماء من جبال فيها من برد﴾ [النور: ٤٣].
قوله: والجليد: هو ما ينزل متصلًا بعضه ببعض كالخيوط. وأدخلت الكاف الثلج وهو ما ينزل مائعًا ثم يجمد على الأرض.
قوله: [ما لم يتغير لونًا] إلخ: ما مصدرية ظرفية، أي مدة عدم تغيره. و"لونا" و"ما" عطف عليه منصوب على التمييز المحول على الفاعل، كما يفيده الشارح في الحل. ولون الماء الأصلي البياض. وأما قولهم في تعريفه: الماء جوهر سيال لا لون له يتلون بلون إنائه، فإن ذلك في مرأى العين لشفافيته. وقول السيدة عائشة ﵂: «ما هو إلا الأسودان الماء والتمر» تغليب للتمر أو للون إنائه، وأما قوله: [أو ريحًا] قال ابن كمال باشا من الحنفية: لا بد من التجوز في قولهم تغير ريح الماء؛ إذ الماء لا ريح له أصالة أي فالمراد طرو ريح عليه. (انتهى بالمعنى من شيخنا في مجموعه).
وحاصل الفقه في المتغير أحد أوصافه بالمفارق غالبًا -إن كان مخالطًا أو ملاصقًا- أن يقال: إما أن يتحقق التغير أو يظن أو يشك أو يتوهم، فهذه أربع صور مضروبة في الأوصاف الثلاثة باثني عشر، وهي مضروبة في المخالط والملاصق؛ فالحاصل أربع وعشرون صورة. فإن كان التغير محققًا أو مظنونًا ضر فالخارج اثنا عشر. فإن كان مشكوكًا أو متوهمًا فلا يضر، فهذه اثنا عشر أيضًا. وأما المجاور فلا يضر التغير به مطلقًا في اثني عشر وهي تغير أحد أوصافه تحقيقًا أو ظنًا أو شكًا أو توهمًا، فالجملة ست وثلاثون صورة، وقد علمتها. وخلاف هذا لا يعول عليه، انتهى بالمعنى من حاشية الأصل.
قوله: [من طاهر]: أي وحكمه كمغيره، وكذلك قوله أو نجس.
قوله: [فتغير ريح الماء منها]: بل ولو فرض تغير الثلاثة لا يضر، وإنما اقتصر الشارح على الريح لكونه الشأن.
قوله: [وصب فيها الماء] إلخ: ما قاله الشارح في هذا
_________
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (يتغيره).
1 / 13