فإذا كان المال الذي هو زينة الحياة الدنيا من الأهمية بهذه المنزلة ، فكيف بأقوال النبي صلى الله عليه وآلهوسلم وأفعاله وتقاريره التي تعتبر تالي القرآن الكريم حجية وبرهانا؟
وهناك كلمة قيمة للخطيب البغدادي نأتي بها برمتها : وقد أدب الله سبحانه عباده بمثل ذلك في الدين ، فقال عز وجل : ( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ). (1)
فلما أمر الله تعالى بكتابة الدين حفظا له ، واحتياطا عليه وإشفاقا من دخول الريب فيه ، كان العلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدين ، أحرى أن تباح كتابته خوفا من دخول الريب والشك فيه. بل كتابة العلم في هذا الزمان ، مع طول الاسناد ، واختلاف أسباب الرواية ، أحج من الحفظ ، ألا ترى أن الله عز وجل جعل كتب الشهادة فيما يتعاطاه الناس من الحقوق بينهم ، عونا عند الجحود ، وتذكرة عند النسيان ، وجعل في عدمها عند المموهين بها أوكد الحجج ببطلان ما ادعوه فيها ، فمن ذلك أن المشركين لما ادعوا بهتا اتخاذ الله سبحانه بنات من الملائكة ، أمر الله نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم : ( فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ). (2)
ولما قالت اليهود : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) (3)، وقد استفاض عنهم قبل ذلك للإيمان بالتوراة ، قال الله تعالى لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) قل لهم : ( من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) (4)، فلم يأتوا على ذلك ببرهان ، فأطلع الله على عجزهم عن ذلك بقوله : ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ). (5)
Página 63