الإسناد وما صاحبه من متابعة أحوال الرواة والكشف عن عدالتهم أو تجريحهم، وكذا ضبطهم أو غفلتهم، بل قد يسلم الحديث من سائر القوادح الظاهرة، ولكن فحول هذه الصناعة الحديثية يستطعون الكشف عما خفي على غيرهم من علل مؤثرة في صحته والإحتجاج به.
بدأت بذور الإهتمام بالسند في عهد رسول الله ﷺ -كما يبدو ذلك في حديث ضمام بن ثعلبة حينما بلغته دعوة الإسلام، فلم يقنع بما وصله حتى جاء عند رسول الله ﷺ؛ ليسمع منه بنفسه؛ فيتحقق له السند العالي في هذا الحديث:
روى البخاري بسنده إلى أنس بن مالك؛ قال: (بينما نحن جلوس مع النبي ﷺ في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد - والنبي ﷺ -متكئ بين ظهرانيهم- فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال له النبي ﷺ: قد أجبتك. فقال الرجل للنبي ﷺ: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. فقال: سل عما بدا لك. فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم. فقال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي ﷺ: اللهم نعم. فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة ..) الحديث. (١)
ثم صارت بوادر التثبت في الرواية تظهر في عهد الخليفة أبي بكر ﵁، ثم من جاء بعده من الخلفاء الراشدين، ولما ظهرت الفتنة وما صاحبها من الكذب على رسول الله ﷺ انبرى نقاد المحدثين للوضاعين يفضحونهم،
_________
(١) صحيح البخاري: كتاب العلم، باب ما جاء في العلم وقوله تعالى: (وقل رب زدني علمًا) (طه ١١٤). الفتح ١/ ١٤٨ ح: ٦٣.
الدراسة / 10