Los miserables en las épocas del Islam
البؤساء في عصور الإسلام
Géneros
ولقد أخذت في تحريره وسرد مدهشات أبطاله، ونفسي نازعة إلى فطاحل العلم والأدب البؤساء، وكأني بهم، وقد شتتهم الدهر ومزقهم كل ممزق فأصبحوا لصروفه هدفا، وباتوا لا يعرفون للحياة طعما ولا للوجود قيمة، وصرت من جراء ذلك أحن إليهم حنينا متواصلا لصلة النسب بيني وبينهم. ومهما أجدت في سرد أخبارهم، وأتيت بالمنقول من رسومهم التي صوروها في بعض مؤرخاتهم؛ فالقريحة جامدة ليس في استطاعتها وصف بلوائهم بالمعنى الحقيقي؛ وكيف أصف مصائب حاقت بهم، لو نزلت برضوى لزلزلته! وليتها مصيبة تزول، ولكنها اقترنت بسوء الطالع، وناهيك بمحن الوجد الذي باتوا فيه، والفقر المدقع الذي عانوه، وشواغل البال التي شغلتهم عن واجباتهم.
أسأل الله أن يجعله خير معين لكل مبتئس، ويهدي تلك الطائفة التعسة سواء السبيل، يرقق عليهم قلوب عباده القاسية.
محمود كامل فريد
مصر، تحريرا في يونيو سنة 1925م
مقدمة
«اللهم عفوا وصفحا» قد قضت حكمتك أيها الخالق منذ الأزل، وجرى القلم بما هو كائن إلى الأبد، ونفذت إرادتك على جميع من أطاع وصخد، خلقت الخلائق بقدر مقدور، ورزق محدود، إلى أجل ممدود، ونفس معدود، وجعلت منهم سعداء وفقراء، وضعفاء وأقوياء، وقد تاهت الأفكار في نظام كونك الباهر، وتدبيرك في أمر خليقتك، وعجزت العقول عن إدراك هذا السر الغامض. اللهم لا اعتراض لحكمك الساري، وعدلك الذي شمل الخلائق، وبلبل ألباب الفلاسفة، وأبكم كل ناطق.
بينما تخلق الطفل فلا يمكث غير يوم، وآخر يقضى عليه وهو جنين، وغيره يعيش أعواما، وذاك يفقد أبويه فيعيش يتيما أو لطيما فيسعد أو يشقى، وهذا قد عاكسه القدر فبلغ من العمر أرذله، وهو سقيم فقير الحال يهرب منه من يراه. ثم نجد شيخا قد بلغ منتهى الأجل وهو في بسطة من العيش، يرتع في بحبوحة الغنى لا يعرف للفقر اسما، ولا للذل رسما، ثم يموت وهو سعيد مرزوق والسعد طوع أمره، وحينا ننظر إنسانا تنغصت عليه حياته ونبذته الأيام؛ فعاش شقيا ومات محروما، وكما نبصر هذا نجد آخر يسعد تارة ويفتقر أخرى، ثم إذا أمعنا النظر يتضح لنا أن كل ذي فكرة وقادة وفكر سليم، لا يخلو من ضنك وبؤس، بينما نجد الأبكم الجاهل يمرح في بحبوحة النعم. سبحانك جل شأنك، كأنك حاسبت القوم على قدر عقولهم، هذا بجهله وذاك بعلمه! وهكذا كان، يسعى البائس وهو العالم الكاتب الفيلسوف الحكيم العاقل المهذب فيشقى بسعيه ويحرم من كده، وكلما وجه أنظاره شطر جهة أغلقت أمامه أبواب رزقك، وكلما أكدى وتعب نأى حظه وغاب سعده وكان نصيبه الإملاق والحرمان.
سبحانك أيها الفتاح! لقد تاهت العقول في نواميس عدلك، وضلت الأفكار في قضائك وقدرك، سبحانك لا علم لمخلوق بمشيئتك، لا إله إلا أنت وحدك لا شبيه لك، ولا يعاندك في حكمك أحد.
المؤلف
المصادر التي استوردنا منها كتاب البؤساء في عصور
Página desconocida