Los miserables en las épocas del Islam
البؤساء في عصور الإسلام
Géneros
لا يحسد المرء إلا من فضائله
بالعلم والحلم أو بالفضل والجود
العالم دولاب دائر لا ينتهي إلا بانقراض الكون، ولو نظرنا إلى أمور هذه الخلائق وجدنا حكما لا تندثر أبدا، ودروسا من الوعظ لا ينتهي منها اللبيب ويرعوي منها العاقل. أيها البؤساء، يا من ألبسكم الدهر ثياب الحزن، وألقاكم في وهاد الهموم؛ عليكم بالصبر وطول الأمل؛ فإنكم إذا ثابرتم عليهما بلغتم كل أمنية. ولا تحجموا عن الإقدام والسعي في معترك الحياة؛ لأنهما أساس عمران هذا العالم. وبالإقدام على عظائم الأمور تنالون الشرف، وتحظون بحظوة المجد، وتخرجون من وهدة اليأس إلى ذروة العلياء، وتصعدون من حضيض الخمول إلى غاية العز والسؤدد. فثبتوا أقدامكم، ووطنوا نفوسكم، تنالوا رغباتكم، والله معكم.
البؤساء
لو نظرنا إلى فلسفة هذا العالم وحكمة المبدع الحكيم في خلقه؛ لوجدنا أن جميع علماء الأرض وفلاسفة الكون على الإطلاق ما هم إلا من وسط ضاق به الحال، وأصبح من شدة الضنك لا يملك درهما، والجميع بحمد الله صفر اليدين من الغنى، وكفى بأنبياء الله حجة على ذلك وبرهانا ناصعا لا مراء فيه. «البؤساء» قوم وضعتهم الدنيا في أخشن مواضعها، وداهمتهم الأيام بالمصائب فاستهانوا بنكباتها، وجفاهم الحظ فرضخوا لأحكام القدر، وصادقهم النكد فحفظوا له واجب الصداقة ولم ينقضوا له عهدا، وسئمت منهم الأيام فكانوا عليها عالة، وأمرتهم الطبيعة بالذل فنبذوا أمرها، وهجروا صفوها؛ فسخرتهم للحياة فساروا في سبيل الموت سراعا. «البؤساء» قوم خلع عليهم الدهر حزنه وجر عليهم فضل بلائه؛ فأوقفوا بعض حنين قلوبهم إلى غير ما تحن إليه من صبابة المحاسن والجمال، وهاموا في وهاد الدنيا وأتوا بأعمال من الأشجان لا تدخل تحت حصر، فتراهم مع ما هم عليه من بواعث الحزن والنكد لا ترتاح نفوسهم الأبية إلا لعمل الخير، وتراهم وهم في أشد حالات المحنة يعطفون على البؤساء أمثالهم، ويميلون من تلقاء أنفسهم إلى من جفاهم الحظ وسحقتهم الهموم. «البؤساء» قوم خطت الطبيعة على جبينهم سطور الشقاء، ومشى الدهر خلفهم يومي للمصائب نحوهم ببنانه؛ فتبعتهم ملبية أمره، وتنقض عليهم منفذة أحكامه. «البؤساء» طائفة رمتهم سهام القدر؛ فباتوا للبلاء عرضا، وأصبحوا في هذا الكون حيارى لا يهتدون إلى منار السعادة، ولم يبلغ بهم سفين الحياة شاطئ السلامة.
ومهما كان من فظاظتهم، ومنتهى ضلالهم في إزهاق أرواحهم؛ تجدهم يستهينون بالموت، ولا لوم عليهم إذا ارتكبوا جريمته؛ لأنهم ما رغبوا في عذابه إلا فرارا من نكد الحياة وشظف العيش المهمين، ولذا تجدهم دائما في كساد حال وتعبيس وجه، إلى شكوى هموم واحتمال أشجان. وهم قوم قد لازمهم سوء الطالع؛ فأصبحوا بين ويلات عديدة تعددت أطوارها، وتراكمت حوادثها؛ من فقر مدقع إلى مرض وبيل، وعذاب مهلك، وحتف مميت، ومن يأس عاجل إلى تكدير صفو، ومحنة دنيا، وبلاء أيام. ولو ساعدهم الحظ لكانوا سعداء، وما في ذلك لوم، وإنما الذنب على الطبيعة الجائرة والقدر المتاح، وما عليهم من وزر إذا أطاعوا القضاء في واجب حكمه، ولاذوا بالفرار من دنياهم؛ ليستريحوا من عذاب البؤس، ويجدوا في الموت راحة بعد ذلك العناء الوبيل. وما هي غير حشرجة الموت، واختلاج الروح في جسم ضعيف؛ ثم تنتهي الحياة بخروج آخر نفس كان يتردد فيه، وفي مدة لا تتجاوز طرفة عين تصعد الروح لباريها العظيم. وأكثر البؤساء يجدون الموت سهلا مع ما فيه من عذاب أليم وهول شديد، وسواء لديهم أن كان قتلا أو خنقا أو غرقا أو حرقا، وفي يقينهم أن الروح دخلت الجسم بسهولة وتخرج منه بسهولة. «قيل» إن عروة بن الزبير لما قطعت رجله وفصلوها عن جسمه لم يعبس وجهه، ونظر إليها وهي بين يديه وقال: أي قدمي، إني سخي بنفسي عنك؛ لأني لم أنقلك إلى خطيئة قط. ثم تمثل بقول معن بن أوس المزني:
لعمرك ما أهويت كفا لريبة
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها
ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
Página desconocida