وأما القسمة فاعلم أنّ المنطقي إما ناظر في الموصل إلى التصوّر ويسمّى قولا شارحا ومعرّفا، وإمّا ناظر في الموصل إلى التصديق ويسمّى حجة. والنظر في المعرّف إمّا في مقدماته وهو باب إيساغوجي وإمّا في نفسه وهو باب التعريفات. وكذلك النظر في الحجة، إمّا فيما يتوقف عليه وهو باب «١» ارمينياس وهو باب القضايا وأحكامها، وإمّا في نفسها باعتبار الصورة وهو باب القياس، أو باعتبار المادّة وهو باب من أبواب الصناعات الخمس، لأنه إن أوقع ظنا فهو الخطابة، أو يقينا فهو البرهان، وإلّا فإن اعتبر فيه عموم الاعتراف والتسليم فهو الجدل وإلّا فهو المغالطة. وأمّا الشعر فلا يوقع تصديقا ولكن لإفادته التخييل الجاري مجرى التصديق من حيث إنه يؤثر في النفس قبضا أو بسطا، عدّ في الموصل إلى التصديق. وربما يضم إليها باب الألفاظ فتحصل الأبواب عشرة، تسعة منها مقصودة بالذات وواحد بالعرض.
له تعريفات، فقيل: هو علم باحث عن أحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية. ولفظ على متعلّق بقوله باحث. والبحث عن أحوال أعيان الموجودات، أي أحوال الموجودات العينية الخارجية، حمل تلك الأحوال عليها، يعني علم تحمل فيه أحوال أعيان الموجودات عليها على وجه هي أي أعيان الموجودات عليه، أي على ذلك الوجه من الإيجاب والسلب والكلية والجزئية في نفس الأمر. وقوله بقدر الطاقة البشرية متعلّق أيضا بقوله باحث، لكن بعد اعتبار تقييده بقوله على ما هي عليه، يعني بذل جهده الإنساني بتمامه في أن يكون بحثه مطابقا لنفس الأمر، فدخلت في التعريف المسائل المخالفة لنفس الأمر المبذولة الجهد بتمامه في تطبيقها على نفس الأمر، ولما كان في توصيف العلم بالباحث مسامحة قيل: هو علم بأعيان الموجودات الخ.
وإن قيل التعريف لا يشتمل العلوم التصوّرية، قلت: هذا على رأي الأكثرين القائلين بأنها ليست داخلة في الحكمة. وقيل المراد بالأحوال المبادئ فقط وهي التي تتوقف عليها المسائل تصورات كانت أو تصديقات أو هي والمحمولات.
وإن قيل يخرج عن الحكمة العلم بأحوال الأعراض النسبية إذ النسبة ليست موجودة في الخارج، قلت: هي موجودة عند الحكماء. ولو سلّم عدم وجودها فالبحث عنها استطرادي، أو نقول: البحث عنها في الحقيقة بحث عن أحوال العرض الذي هو موجود خارجي، وإن لم يكن بعض أنواعه أو أفراده موجودا، كما يبحث في الحكمة عن الحيوان وبعض أنواعه كالعنقاء، وبعض أفراده غير موجود ولا يخرج الحيوان عن الموجودات الخارجية فتأمل. ولا يرد أنّ قيد ما هي عليه يغني عن قيد