أبصرت وشاحا مع شريط أحمر، وجوارب للأولاد، فبدا لي هذا أمرا ظريفا جدا، وقد ظننتني قريبا منك، فساورني سرور كبير، ثم تذكرت الفراسخ السبعين التي تفصل بيننا والتي لا خطوط حديدية في خمسة وثلاثين منها، والحق أن بوميرانية واسعة جدا، وتصل إلي كتب كثيرة من المجلد، ويخبرني الخياط بأنه استطاع أن يصنع لي خمسة لباسات من قطعة النسيج، وأفترض أنه يلبس السادس. أسبغ الله عليك نعمته.
المخلص: فون بسمارك
ونبصر من خلال ذلك العطف الحار أن بسمارك - الرجل الملغز - يخالطه وجل من زوال سعادته، وهو كلما زاد ازدراؤه للناس عظم ارتباطه في زوجته وأولاده، وفي تلك الأسابيع يبلغ هلعه حول هؤلاء درجة الخباط،
16
مع أنهم يتمتعون بصحة رائعة، ومن ذلك ما اعتراه من جزع كبير لعدم وصول كتاب إليه منذ يومين أو ثلاثة أيام «حتى صرت عاجزا عن صنع شيء خلا الجلوس أمام الموقد فألاحظ تأجج النار وانطفاءها فيه، فأتمثل ألفا من ممكنات المرض والموت وخطأ البريد وخطط السفر واللعنة على إدارة الأسداد والعرفاء»، ثم يقول: «وتنفد سغايري من فوري، والآن - وللمرة الأولى - أدرك أنك مع أطفالك جزء كبير مني كما أدرك مقدار ما تملئين به فؤادي، وفي هذا سر ما يبدو من فتوري تجاه كل إنسان سواك وسوى أمك، ولو أصابني الله بأكبر شقاء ففقدتك، لتمسكت بأبويك كثيرا ولتوجعت والدتك من إزعاجها بغرامي.»
وهكذا يبلغ ذلك الأناني الغاية من العلوق بأقرب الناس إليه وأعزهم عليه فيؤمن نفسه ضد فقدهم ويوجه قلبه إلى أناس عاش حتى ذلك الحين بغيرهم، وهكذا يفر - دوما - أمام أنانيته المائجة باستمرار.
ولم يجد نجاة في إيمانه الجديد بيسوع، وليس الرب في السنوات الأولى الثلاث من زواجه غير الحكم الذي يطلب منه العون لمن هم أعزاء عليه، ونشعر بمعنى عميق في قوله لزوجه إنه يدعو لهم في كل وقت من «الليل، عند الساعة الثانية، بغيرة أشد مما أدعو به لسلامة نفسي مع الأسف»، ولا ترى له كتابا لا يدع فيه زوجه وأولاده لعناية الله، ولا تكاد ترى دليلا غير ذلك على أنه مؤمن، «وأضرع إليه في الغرفة وفي الشارع لكيلا ينزع منا ما أنعم به علينا»، والأمر كذلك عند اشتداد مرض ولد له، ولكنه عندما سمع خطيبا نصرانيا يرفع عقيرته
17
ضد إعدام روبرت بلوم قاطعه بقوله صارخا: «ذلك خطأ، ذلك خطأ كبير، فإذا وجد عدو تحت سلطاني وجب علي أن أهلكه!»
بسمارك في سنة 1835.
Página desconocida