302

Bismarck: Una Vida de Lucha

بسمارك: حياة مكافح

Géneros

حتى رأى أن يقنع حليفه الروسي بأن هذا لا ينطوي على عداء ولا يدل على «هجوم» ضمن معنى المعاهدة، وماذا يصنع إذا خرج الهر من الكيس؟ خيرا! وهنالك يرى أن ريب بسمارك حوله هي لثلاث سنين فقط، وبسمارك من ناحية أخرى يقول للقيصر في آخر خطاب أعده بعناية: «لا يكون تقديرنا لجيوش روسية الهائلة غير ناقص إذا لم نصن أنفسنا مستعدين تجاه خطر الاتحاد السلافي!»

وهكذا استطاع بسمارك في صفحتين من المعاهدة الروسية أن يعالج أربعة أخطار معا، وهو إذا لم يزلها أبعدها لبضع سنين على الأقل، فتولي روسية وجهها شطر بيزنطة فلا تهدد حدودنا الشرقية، وتحذر النمسة المغامرات في البلقان، وتفصل فرنسة عن روسية وتضطرب إنكلترة حول روسية فتضطر إلى طلب صداقة ألمانية، وهذه لعبة شطرنج موفقة في ختام الدور الذي لعب فيه بعض الأمم مع بعض لعبة الشطرنج على أنها قطع للشطرنج.

والفوز بإنكلترة هو آخر رغبة لبسمارك، وبسمارك قال ذات يوم إن ذلك كان سعيه الرئيس في السنوات العشر الأخيرة من منصبه، وبسمارك ب «التحالف الثلاثي الشرقي» الذي أوجده، أو الذي لم يأل جهدا في سبيل نجاحه، حاول أن يقرب بينه وبين إنكلترة؛ وذلك لما يؤدي إليه من ضمان بريطانية وإيطالية والنمسة للأمر الواقع في البحر المتوسط، وبسمارك في سنة 1882 حقق وجود صعوبة عظيمة في محالفة إنكلترة، «فمن المتعذر أن يقع حديث سري مع الإنكليزي؛ لما يمكن وزراء بريطانية في أي حين أن يبوحوا بذلك إلى البرلمان، ثم إننا لا نرى ما يضمن ثبات مثل ذلك التحالف ما دام العرش في إنكلترة غير مسئول عن مثل تلك الأمور وما دامت الوزارة التي تتغير دوما هي المسئولة عنها، ويصعب كثيرا أن يوصل إلى تفاهم صادق مع إنكلترة وأن يقوم هذا التفاهم على أساس متين ما لم يذع في جميع أوروبة».

وقد كتبت هذه الأسطر إلى الأمير فردريك الذي أراد بسمارك أن يقنعه بعدم نفع الحكومة الديمقراطية، ومن الواضح أن العلانية تلائم سياسة بسمارك، وإذا كان بسمارك قد وجد في سياسته الخارجية أن يطلع البرلمان - في الحين بعد الحين - على بعض «الأمور السرية » فإنه لم يجاوز بعض الحدود.

وبسمارك في تقربه إلى إنكلترة في سنة 1880 وما بعدها ينتحل طرازا من الشعور ما هو مشترك بين رجال السياسة والشعراء ويتخذ نغمة ظرفية رزينة ملائمة لأساليب الإنكليز كما تلائم أساليب الفاتيكان، ولم يبد بسمارك حذرا أكثر مما أبداه في هذه المسألة، وبسمارك كتب يقول منذ ثلاثين سنة إنه يشعر بضعفه تجاه إنكلترة «غير أن هؤلاء القوم لا يريدون أن نحبهم».

وبسمارك في خريف سنة 1879 حين مكافحته الإمبراطور حول التحالف النمسوي الذي لم يتم أمره حتى ذلك التاريخ؛ توجه - بعض التوجه - إلى لندن ثم سدل الستار على الأمر؛ لما لم يجد من فائدة في بحثه، ومهما يكن الأمر فإن غلادستن هو الذي كان قابضا على زمام الحكم، فكانت الأحوال في إنكلترة غير ملائمة لبسمارك.

ويعود اللورد سالسبري إلى السلطة في سنة 1885، ويغتنم بسمارك فرصة الاستيلاء على موطئ أو موطئين في إفريقية، ويستطيع تسوية الأمر بلا أسطول ولا إطلاق قذيفة واحدة، وكانت هذه واحدة من «لعباته بالكرات الخمس» ومن غير الضروري أن يفصل هذا الأمر ما دامت ألمانية غير ذات سياسة استعمارية عالمية بعد.

وبسمارك - قطبا سياسيا - برع في هذا الكفاح؛ لرده اندفاع إمبراطوريته الفتاة نحو التوسع ناظرا إلى وضعها، ولم يدر في خلد بسمارك أن يدع ألمانية تحاول مزاحمة إنكلترة كدولة عالمية مبصرا أن الإنكليزي أمهر من الألماني في ميدان الاستعمار، وأن موقع إنكلترة الجغرافي أكثر ملاءمة لقيام دولة استعمارية، والمبدأ الذي سار عليه في السنين العشرين بعد قيام الإمبراطورية هو: «لا بلد كبير، بل أمن كثير!»

وما انفك قلقه الدائم في سبيل صيانة الإمبراطورية الجديدة العظمى مع عدم ملاءمة وضعها يضفو على زهوه، وفيما كان يشجع فرنسة على تأسيس دولة استعمارية كبيرة صرفا لنظرها عن استرداد الألزاس؛ كان يرى من الضروري ألا يساعد رواد الريخ أو أن يساعدهم بتحفظ وعلى قلة، ونراه لم يمل إلى ضم عروق بيض من غير الأرومة الألمانية، ونراه يمتنع أيضا عن ضم عروق غير بيض مقدرا أن ضر هذا أكبر من نفعه، وعند بسمارك أن مستقبل ألمانية ليس على الماء.

ويناقش بسمارك حول مسألة أمين باشا مع إفريقي، فيقول: «أرى المجازفة عظيمة، أجل إن خريطتكم الإفريقية رائعة، ولكن خريطتي الإفريقية في أوروبة؛ فروسية هنالك، وفرنسة في الجهة الأخرى، ونحن في الوسط. فهذه هي خريطتي الإفريقية.» ومع ذلك وفي سنة 1880 وما بعدها بلغ بسمارك من النفوذ الشخصي في أوروبة ما وجه معه إلى زميله الإنكليزي الكلمات الأبية الآتية عندما رفعت بريطانية أول اعتراض لها حول إحراز الألمان لإفريقية الجنوبية الغربية:

Página desconocida