فرنسة من وصفه ب «صاحب الدماغ القدير المتصرف في المصير.»
وبسمارك هو الذي جعل من ضعف ألمانية قوة، وبسمارك هو الباني للإمبراطورية الألمانية والموجد لألمانية الحديثة والرافع لذكرها والمعلي لشأنها والمظهر لها فوق الجميع، وبسمارك هو الجامع لأجزاء ألمانية بعد تفرق والموحد لأقطارها بعد شتات، فإذا ما ذكر قيام الدول وتأسيس الجامعات وتوحيد ما اختلف من الجهات؛ كان بسمارك أول من يبدو للأعين نبراسا يهتدى به وللأبصار قبسا يسار على نوره.
وقد بلغ ما شاده بسمارك من القوة درجة لم تسطع أن تدكه حربان طاحنتان؛ فالأساس متين والأصول ثابتة، وإذا ما قطعت الفروع أخرجت السوق شطأ أقوى مما كان؛ كما ثبت بعد الحرب العالمية الأولى، وكما يلوح بعد الحرب العالمية الثانية. ولو خلا من الرعونة من قبضوا على زمام الأمور في ألمانية بعد بسمارك، وبين تينك الحربين أيضا، فكان لهم مثل ما له من اتساع الأفق وأصالة الرأي؛ ما أصيبت ألمانية بغلب بعد طويل جهاد وعظيم دفاع، ولظلت ألمانية أول دولة في العالم على ما يحتمل.
والمؤلف في هذا الكتاب - كما في كتاب نابليون - سار مع بسمارك سيرا طبيعيا من ولادته إلى وفاته بأسلوب أخاذ مؤثر لم يسبقه إليه أحد. ولا نرى أن نسهب في بيان ما وجدناه من إبهام والتباس وغموض في هذا الكتاب، ولا في بيان ما بذلناه من جهود مضاعفة في جعل عبارة الكتاب واضحة جهد المستطيع؛ فذلك يقدره قراء كتب لودفيغ، ولا نرى أن نضع مقدمة مطولة نعرض فيها مناحي الكتاب؛ لما قصدناه من ترك ذلك للقارئ، وإنما نذكر أن هذا الكتاب هو خير ما أخرج للناس عن بسمارك - على ما نعتقد.
نقدم هذا الكتاب إلى الأمة العربية في وقت هي في أشد الاحتياج إلى مثله؛ فلعل العرب يبصرون من مطالعته كيف تقام الجامعات وكيف توحد الشعوب والدول على أسس صحيحة بعيدة عن الرئاء والشعوذة والكيد والتخاذل والمظاهر الخادعة، قائمة على الإيمان والإخلاص والبذل والتضحية والجهاد الصادق. فإذا كنت قد نقلت هذا الكتاب إلى العربية نقلا يكاد يكون حرفيا معتمدا على ترجمته إلى الفرنسية والإنكليزية، فإنني أكون قد نلت ما أرجو. «نابلس»، عادل زعيتر
مقدمة المؤلف
واضح غامض، كامل العدة، منير في سحر،
1
هذا هو بسمارك الذي يشابه ما رسمه رنبرانت
2
Página desconocida