Bismarck: Una Vida de Lucha

Cadil Zucaytar d. 1377 AH
130

Bismarck: Una Vida de Lucha

بسمارك: حياة مكافح

Géneros

ليس هذا صوابا في كل حين، فترى الدول على شيء من الصداقة، ولا مناص من تبادل الثقة تجاه مستقبل مجهول، ولا أتكلم عن الحلف مغامرا، بل أجد بين بروسية وفرنسة من المصالح المشتركة ما يشتمل على بذور حلف صميمي دائم ما لم تحل الأوهام دون ذلك، ومن الخطأ البين أن يراد خلق الأحوال؛ فالأحوال تأتي بنفسها من غير أن نقدر على تقدير قوتها ووجهتها؛ ولذا يجب علينا أن نكون مطمئنين إلى الوسائل التي نواجه بها الأحوال فننتفع بها.

ويسهب الإمبراطور الكلام في «الحلف الدبلمي» ولكنه يقف في الحديقة بغتة ويقول: «إن ما عرضته النمسة علي من اقتراحات عجيبة في هذه الأيام مما لا تصدقونه. والذعر هو الذي يلوح في فينة، وقد حدثني مترنيخ عن السلطات الشاملة، وهو لم يكد يجرؤ على ذكر مداها، وهو قد قال لي إنه مفوض بأن يفاوضني في كل المسائل غير مقيد، وإن لديه من السلطات ما لم يمنحه ولي أمر لرسول، ويربكني هذا التصريح فلم أعرف كيف أجيب عنه، فهو يريد تسوية الأمور معي تسوية مطلقة بأي ثمن كان، ولكنني من غير قول عما بين البلدين من اختلاف في وجهات النظر؛ أشعر بوجل يكاد يكون خرافيا من ارتباطي في مصاير النمسة.»

والأمر الأول الذي يثير دهشنا في هذه المحادثة هو عدم تكلف الإمبراطور خلافا لعادته، وما كان من إفشائه لذلك القطب السياسي بما يدور في خلده مع اشتهار ذلك القطب بالمصانعة في ذلك الحين، وقد يرد الخاطر كون نابليون الثالث نطق بما نطق عن رعونة وهوى، ولكن ما عرف من أخلاق الرجل وتاريخه يدحض هذا الافتراض، ولكن ما علم من عادته في المحادثات الدبلمية يحول دون اختراعه ما عرض مترنيخ، وهذا إلى أن طراز إدراكه لطبيعة الحلف أكثر صوابا وأشد ملاءمة للعصر، ولم يضرب بسمارك عن قوس فكره الحقيقي فيما قاله، ولم يعد ما قاله حد الادعاء. ولا نرى ما هو أدعى إلى الذكر من رفضه الطاهر، وقد شبهه في تقريره برفض يوسف لما راودته به امرأة العزيز (فوطيفار) عن نفسها، «فهو يعرض علي أفسق ما عرف من حلف، ولو سايرته أكثر مما فعلت لكان ما صرح به أوضح مما صنع.»

وهل كان يمكن بسمارك أن ينال من الإمبراطور تصريحا أعظم مما وقع؟ لم تكن المبادئ لتعوقه ما دام من غير القائلين بشرعية العروش، ولو أتى باقتراح إيجابي من فرنسة القوية لناقش الملك فيما يشتمل عليه من الأمور، ونعرف فضلا عن ذلك أن بسمارك أوضح في كتابه إلى برنستورف كون الإمبراطور «نصيرا قويا لمبدأ الوحدة الألمانية الصغرى؛ أي لمبدأ الوحدة الألمانية بغير النمسة، ومما حدث منذ خمس سنين أن صرح لي في اجتماعي الأول به أنه يود أن تكون بروسية دولة بحرية - من الدرجة الثانية على الأقل - وأن يكون لديها من المرافئ ما يفي بهذا الغرض. وعنده أن من العبث إغلاق خليج جاد في هانوفر-أولدنبرغ»، ولكن بسمارك لم يقل لرئيسه شيئا عن جوابه إلى الإمبراطور في أمر اقتراحات النمسة؛ فقد اكتفى بما انتهى إليه من النتيجة العامة القائلة: إن من غير الملائم أن تحالف فرنسة في مسائل معينة، وإن من غير الملائم أيضا أن تعاهد النمسة ضد فرنسة؛ وذلك لأن النمسة «لن توافق - مختارة - على كل تحسين لوضعنا في ألمانية ولو أدى هذا إلى تضحيتها بالبندقية وضفة الرين اليسرى»، ويتكلم بسمارك عن الأمر بوجه عام، فيقول: «إن النمسة تريد الدخول في كل عمل يؤدي إلى تفوقها على بروسية في ألمانية.»

وما كان من سكوت بسمارك تجاه رئيسه فذو مغزى؛ فبسمارك كان من سرعة الخاطر ما أدرك معه أول وهلة مقدار العمق في تلك المحادثة بحديقة فونتنبلو الإمبراطورية، ومن الواضح أن كان بسمارك صريحا تجاه الإمبراطور أكثر من صراحته تجاه الوزير برنستورف الذي كان بسمارك يطمع أن يحل محله بين حين وآخر، والذي سيصبح سفيرا في لندن فيغدو بسمارك في مكانه بولهلمستراس آمرا له بعد أن كان مرءوسه، ولم يبوح بسمارك لبرنستورف بجميع ما اشتملت عليه تلك المحادثة المنقطعة النظير من الحقائق إذن؟ ومن المحتمل أن يكون بسمارك قد كتم حتى عن الملك فحوى ذلك الحديث، وبسمارك وإن لم يذكر للإمبراطور نابليون الثالث غير العموميات؛ استطاع أن يقتطع من اعترافات هذا الإمبراطور ما هو أبعد من ذلك، وتمضي أربعة أعوام، وتقع الحرب البروسية النمسوية فيذكر بسمارك نابليون الثالث بتلك المسائل على ما يحتمل.

وبسمارك حين وجوده بباريس يتصل بزعيم المعارضة تيار، ويسافر بسمارك إلى لندن أيضا، فيزور الزعماء فيها، ويتناول العشاء في السفارة الروسية، فيبهر ديسرائيلي وفريقا من الزعماء الآخرين بصراحته، وإن عد الطراز الذي كتب به تقريره حول ما حدث موضع شك لا ريب، ويسأل عما يفعل إذا ما قبض على زمام السلطة، فاسمع قوله: «إن أول شيء أصنعه هو إعادة تنظيم الجيش بسرعة. فإذا ما أصبح قويا اغتنمت أول فرصة لتصفية الحساب مع النمسة فأحل الجامعة الألمانية، وأقيم دولة ألمانية موحدة بزعامة بروسية.» وبسمارك - وهو الذي ألف الخداع - كان يرى أن الناس يصدقونه دوما إذا ما كذب مع انتحال الجد، وأنهم لا يصدقونه إذا قال الحق مع ظاهر خداع، ولكن بسمارك يخطئ في هذه المرة؛ وذلك لأن الذي ينصت له الآن هو ديسرائيلي الذي لا يقل عنه ذكاء، ويكرر ديسرائيلي كلمات بسمارك فيضيف إليها قوله البالغ: «انتبهوا إلى هذا الرجل، فهو يعني ما يقول!»

والحق أن المسألة الألمانية كانت تتوقف على الجيش البروسي، وأن كل حزب كان يود أن يكون الجيش البروسي بجانبه، وكان هنالك ثلاثة أحزاب؛ فأما الأحرار فكانوا يرون الوحدة الألمانية بزعامة بروسية ، وأما المحافظون الألمان فكانوا لا يريدون رؤية البروسيين فوقهم، وأما المحافظون البروسيون فكانوا لا يريدون أن يحولوا إلى ألمان. ويبدو الخلاف في الشعب والمجتمع الراقي والبلاط والموظفين والأسرة المالكة، وتتموج المشاعر كما في الثورة.

والملك وحده هو الذي كان يسمع صوتين في فؤاده، والملك ما انفك منذ ثلاثين سنة يقول بإعادة تنظيم الجيش، فهنالك فائدته الوحيدة، وذلك كل ما يعرف، ويظل جهاز الجيش على ما كان عليه منذ حرب الإنقاذ، ولا تنال يد التعديل عمر من يدعون إلى الجندية وإن تضاعف عدد السكان في البلاد، والآن تصبح السلطة قبضة ولهلم بعد زوال عهد أخيه المتردد، فيريد سن قانون قائل بتجنيد أقصى ما يمكن من الرجال على أن تكون مدة الخدمة العسكرية ثلاث سنين، وعلى أن ينقص عدد من يجمع من الردفاء المتزوجين. وهكذا يجدد الجيش ويزيد عدد من يحملون السلاح من 400000 إلى 700000 جندي أكثر شبابا، ولمداراة المسنين في التجنيد معنى اجتماعي إلى الغاية، ومن المحتمل أن يكون الملك قد أراد هذا في بدء الأمر.

ولم يلبث غرض ولهلم أن فسر تفسيرا سياسيا، فهوجم من الجهتين، ومن الحق أن كان الردفاء لدى الأحرار حصن الشعب الأخير الذي ما فتئوا يشغلونه منذ سنة 1813، فآباؤهم؛ أي الشعب بالمعنى الحرفي، هم الذين كسبوا حرب الإنقاذ، لا الأشراف الذين كان وضعهم مذبذبا، ولا الملك الذي كان عدوا للأمة، والآن يلوح أن جيش الشعب، الذي أوجده شارنهورست في تلك الأيام، انحط من شرفه إلى جيش للملك، وهذا إلى أن الأحرار يريدون تقوية الجيش كولهلم، ويريدون الوحدة الألمانية، ويريدون الخدمة لمدة سنتين وصولا إلى تلك الغاية؛ فالذي يكرهونه هو زيادة نفوذ الأشراف في الجيش، فتراهم يناهضون ما يراد توسيع نطاقه من جماعة الضباط والكليات الحربية وما يراد صنعه من تحويل ضباط الطبقة الوسطى إلى ردفاء، واليوم تبصر رجوع كل شيء إلى حظيرة الأشراف، واليوم تبصر الدبلميين والرؤساء والمالكين من الشرفاء، فإذا ما أمسك الجيش على أنه جيش شعبي نم ذلك على بقاء شيء من روح سنة 1848 التي أخذت تميل إلى الأفول.

ورون هو الذي أوصل الصدام إلى أقصى حد، ورون هذا كان ملكيا أكثر من الملك فصرح في المجلس بأنه لا ينبغي للتاج في الأوقات العصيبة أن يكون تابعا للأكثريات المتقلبة ولا لخطب الأحزاب، وهكذا يعارض الدستور ويجر أحزاب الشمال إلى المعركة التي يودها، والملك قبل إعلان الدستور كان قد أمر بزيادة عدد الجنود، والآن أتكون بروسية دولة دستورية أم دولة عسكرية، كما في الماضي؟ ولا جنود بلا مال! وليرفض فرض المال من أجل خدمة السنوات الثلاث! يغدو حل المجلس ضربة لازب إذا فعلتم ذلك، فهذا هو الوجه الذي صار إليه الصدام.

Página desconocida