وإذا أنعم النظر في هذه الآراء حول البرلمان الجمركي المؤدي إلى الريشتاغ ذات يوم، ثم رجع البصر إلى ما ألقاه بسمارك من الخطب وكتبه من الرسائل سنة 1848 أدرك أمر تحوله من رجل حزب إلى رجل دولة، وبسمارك هو الذي يريد اليوم تحقيق مبدأ الثورة؛ أي تحقيق الوحدة الألمانية التي كان يقاومها فيما مضى؛ لما تنطوي عليه من أصل ثوري، «وكل واحد منا يود الوحدة الألمانية، ولكنني لا أريدها بهذا الدستور» هذا ما صرح به بسمارك، وبسمارك وإن كان راغبا عن هذا الدستور اليوم، يقول به كعامل أساسي، وبسمارك يرى الزمان قد مر على أصله فصار من الشرعية «ما لا يعد معه ثوريا» أجل، إنه يصرح معترفا بضرورة اشتراك الألمان في حكومة ألمانية، ولكن ذلك هو لموازنة منافسة الأمراء!
وتكتب الوثيقة المذكورة آنفا بأسلوب قضائي، وتجد مثل هذا التحول بأقوى مما تقدم، وبأدل على طريقة بسمارك من ذلك في الكتاب الذي أرسله بسمارك إلى صديق له في ذلك الوقت ضد برنامج المحافظين؛ فقد جاء فيه: «بلغنا المرحلة التي تصبح فيها سيادة أمراء الألمان الطاغية وغير الشرعية وغير التاريخية؛ معشوقة حزب المحافظين، مع أن أولئك الأمراء يتخذون وضعنا الاتحادي قاعدة يتلهون فوقها كذوي السلطان في أوروبة. ولا أدري لم نتقهقر فزعا وهلعا من مبدأ التمثيل الشعبي في مجلس الجامعة أو مجلس الاتحاد الجمركي. فمن الممكن إيجاد مجلس قومي محافظ مع نيل شكر الأحرار.»
وتمضي عشر سنين على ذلك القول فيفتتح بسمارك الريشتاغ الألماني الأول.
الفصل الثامن
يقف ولهلم الأول أمام الهيكل فيلتقط التاج من المائدة المقدسة ويضعه على رأسه بيديه؛ علامة على أنه ناله من الله لا من الناس، ثم كان عرض كبير للكتائب، وكان يبدو بين الحاشية الزاهية علج
1
لابس بزة زرقاء، فيلوح لمن يترددون إلى البلاط أنه بسمارك لو لم تزين جبينه خصل كثيرة، ويقترب منه فيظهر أنه بسمارك في الحقيقة فيقول ضاحكا: «أراني حكيما في ساحة القصر إذ أجهز نفسي بشعر مستعار، يلقي برنار
2
في الظل، فضلا عن بزتي العسكرية، ولولا هذا لأسفر قضائي ساعتين حاسر الرأس في الهواء الطلق عن انحراف في صحتي.» وهكذا يحضر بسمارك متنكرا حفلة تتويج الملك، ثم يتم بسمارك تتويج الملك إمبراطورا بعد عشر سنين، ويعرض الملك عن تابعه ذلك في حفلة التتويج الأولى تلك كما يفعل ذلك بعد عشر سنين. والسبب في هذه المرة هو أن ولهلم يود ألا يظهر بمظهر الرجعي، وتعمل الملكة على ارتباك زوجها وارتباك بسمارك، فهل تقبل عدوها هذا بلطف لم تقبله بمثله منذ سنين، وهي تقف بجانبه في المهرجان، وهي تكلمه في السياسة الألمانية، «فيحاول الملك الذي يقودها ممسكا يدها أن يقطع حديثها على غير جدوى».
بيد أن نيل التاج من الله لم يلق سكينة في قلب الملك؛ فقد اضطربت شئون مملكته بأشد مما كانت عليه في عهد غيره، ويفوز حزب التقدم الجديد في الانتخابات التي وقعت بعد عام، ويضن البرلمان على الملك بالجنود انتقاما، وتجازى وزارة الأحرار بالعزل في فصل الربيع، ولم يضم رون إليه غير محافظين، ويحل النبيه النشيط الكونت برنستورف محل شلينتز مع عجز فيه عن سلوك سبيل جديدة، ويداوم شلينتز على الحكم من الدهليز، ويستدعى بسمارك من سان بطرسبرغ نهائيا، ويلاحظ بسمارك أنه سيكون للخارجية ثلاثة وزراء، ويسفر جنون أمير هس الناخب الذي امتنع رعاياه عن دفع الضرائب عن إرسال جنود يكسرون خزائنهم، وتسنح فرصة التدخل، فيقول بسمارك لبرنستورف: «إذا كنتم تودون محاربة هس فاجعلوني سكرتيرا ثانيا لكم، فسوف ترون هنالك اشتعال حرب أهلية طاحنة في أربعة أسابيع .» وبسمارك في هذا الدور «يعارض معارضة شديدة بكلمة محاربة الأخ لأخيه».
Página desconocida