لبيك أبا أيوب!
وعاد ركب الحاج من المدينة، ولم يكن فيه النعمان؛ فقد حضره أجله في مكة قبل أن يحل من إحرامه
1
وقبل أن يدخل المدينة ليقص رؤياه على ابن سيرين ، ويعرف تأويلها، ولم يقصها عليه مسلمة أو يلتمس لقاءه؛ فقد كان من رزئه بصاحبه في هم، وكان من الرغبة في سرعة الرواح إلى دمشق ليرى أمه، بحيث لم يمكث في مدينة الرسول إلا بمقدار ما زار ووفى النذور وفرق الأعطيات؛ ثم نادى مناديه في القافلة بالرحيل.
وبلغ دمشق، ولكنه لم ير أمه؛ فقد ودعت أمه دمشق وتركت دنياها جميعا قبل أن يعود مسلمة ولدها من حجته!
وقعد مسلمة أياما يتقبل العزاء؛ ولكنه لم ينس منذ أول لحظة هبط فيها الحاضرة أن عليه حقا لرفيقه الذي خلفه تحت الجنادل في صعيد مكة؛ فأرسل رسولا إلى ولده عتيبة في الرقة، وأرسل معه لأسرة الشهيد مالا وأحمالا ... •••
كانت جيوش الفتح قد بلغت شأوا بعيدا في الشرق والغرب: قد قوض جيش المغرب عرش الإسبان، وحاز الأندلس من أطرافها، وأخذ يتهيأ للزحف شرقا نحو بلاد إفرنسة، وما يليها من أرض الروم.
وبلغت جيوش المشرق قزوين، ونفذت إلى شواطيء بحر بنطش.
واتخذ أسطول العرب قواعد في ثغور بحر الروم يتهيأ منها للوثبة؛ وما تزال بعض سفنه تغدو وتروح على بحر بنطش وخليج القسطنطينية، فتصيب من ثغور الروم غنائم وأسرى وسبايا؛ وما تنفك قوات الفدائيين من العرب المتطوعة تغير على أطراف بلاد الروم تشعث فيها، وتدك حصونها، وتنشر بين أهلها الرعب والفزع ...
وقد عجزت جيوش الروم عن صد هذه الغارات العربية المتتابعة على البر والبحر، وأخذوا بالرعب عن تدبير أسباب الدفاع عن بلادهم، فساءوا رأيا في القياصرة والبطارقة والأمراء وقادة الجند، ووقعوا في اضطراب وفوضى ولجاج عنيف؛ فلا يكاد يستقر على العرش قيصر من القياصرة حتى يبادروا إليه فيخلعوه فيقتلوه أو يسملوا عينيه ويجدعوا أنفه،
Página desconocida