3
ولا تحدثهم هي مبتدئة عما يريدون أن يعرفوا، حفظا لغيب نفسها ...
وتعاقبت الأعوام وسبيكة تعيش في ظل الحنان والعطف من حماتها وسلفتها
4
وأخوات زوجها وولد أخيه، لا تكاد تحس أنها غريبة في هذا الجو الجديد عليها ولا يكادون يحسون.
ولم ينس النعمان بن عبيد الله أن له زوجا وولدا، فكان يلم بالرقة حينا بعد حين، كلما وجد فسحة من الوقت بين صائفتين ، فيقيم بين أهله أياما قليلة ثم يرحل ...
وشب عتيبة بين فتيان الحي وفتياته، وقد آخى ابن عمه بشيرا وأخته نوار؛ فكأنما جمعتهم أمومة واحدة وأبوة، وكذلك مضت الحياة بهذه الأسرة كما تمضي بكل الأسر في ذلك البلد، لم ينكر أحد من أمرها شيئا، ولم تنكر من أمر نفسها؛ قد غاب رجلها في الغزو والجهاد كما يغيب رجال كثر في مثل تلك السنين عن زوجاتهم وأهليهم، واحتملت الأسرة غيبته راضية كما تحتمل أسر كثيرة في مثل تلك السنين غيبة رجالها راضية، بلى، كان في هذه الأسرة رجلان صغيران، هما عتيبة بن النعمان، وبشير بن عتبة، ولكنهما طفلان وإن بدا لهما - من مكانتهما في الأسرة - أنهما رجلا الأسرة وعليهما لها مثل تبعات الرجال.
وكانت الصوائف والشواتي ما تزال غادية رائحة بين الثغور في البر والبحر، عليها من أصحاب مسلمة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لم يخرجوا في هذه الرحلات المتتابعة لاهين ولا هازلين، قد وطنوا أنفسهم على الظفر في كل غارة يغيرونها أو يستشهدوا؛ منهم النعمان بن عبيد الله الرقي، ومنهم أبو محمد الأنطاكي، ومنهم عبد الوهاب بن بخت؛ ثلاثة ما يزال صدى أسمائهم يتردد في بلاد الروم مخيفا مفزعا، يرعب الصغير، ويؤرق الكبير، ويقض مضاجع النوام؛ فإن الأم في ثغور الروم ليذنب صغيرها أو يبكي فتريد تأديبه، فتقول له: اسكت أو أدفعك إلى الأنطاكي، أو ابن بخت، أو النعمان! فيكف الصغير عن بكائه ويستغفر من ذنبه!
وكانت صيحتهم في الحرب: لبيك أبا أيوب، فكأنما ترددها وراءهم - حين يلفظونها - أواذي البحر
5
Página desconocida