Sin Ataduras
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Géneros
فبدلا من أن تقوم الفوارق في الثروة على الفرق بين الأخ الأكبر والأخ الأصغر - كما كان معهودا في شعوب الساحل الشمالي الغربي - صارت الفروق في الثروة لدى المجتمعات الزراعية تدريجيا امتيازا لأسرة كاملة ويورث من الآباء للأبناء. في النهاية أدت هذه الفروق المتوارثة في الثروة والمركز إلى تكون طبقات اجتماعية دائمة، وإلى نشأة المجتمعات «الطبقية» التي تتميز بأنظمة طبقية تقليدية تتسم بانعدام المساواة في الثروة والمكانة والامتيازات استمرت لأجيال.
عثر على أدلة واضحة على أن انتشار الزراعة أدى إلى نشأة الطبقات الاجتماعية وتكريس التفاوت في الثروة والمكانة في الأطلال الأثرية الخاصة بأقدم شعوب العصر الحجري الحديث في أوروبا. هذه الشعوب المسماة شعوب «ثقافة الخزف الخطي» ظهرت في شرق أوروبا قبل نحو 7500 عام، وانتشرت سريعا خلال الخمسمائة سنة التالية حتى أقامت مستوطناتها الزراعية في وديان الأنهار الخصبة في أنحاء أوروبا.
كان شعب الخزف الخطي يدفن كل موتاه، لكن في حين كان نصف الرجال يدفنون مع قدائم (جمع قدوم، وهو أداة للنحت وللقطع تشبه الفأس، كانت تستخدم لتنعيم أو نحت الخشب) حجرية مصقولة لم يكن النصف الآخر كذلك. كانت شعوب العصر الحجري الحديث تستخدم القدوم في أعمال النجارة الهامة، وكان أداة قيمة، حتى إن وضعه في قبر أحد الأشخاص كان يعني أن المتوفى تمتع بمنزلة عالية في الحياة. في عام 2012م نشر فريق من علماء الآثار نتائج دراسة لمينا الأسنان المأخوذة من 300 هيكل عظمي كانوا في مدافن شعب الخزف الخطي المنتشرة في أنحاء أوروبا من فرنسا إلى المجر.
6
بتحليل النسب النوعية لنوعين أو نظيرين لعنصر الاسترونشيوم الذي يدخل في مينا الأسنان في مرحلة الطفولة، استطاع العلماء أن يحددوا بهذه «البصمات النظائرية» ما إذا كان الشخص قد ترعرع في وديان الأنهار الخصبة، حيث وفرت التربة الغنية بالرواسب الطميية مستوى معيشة مرتفعا نسبيا، أم نشأ في التلال الأقل خصوبة التي أحاطت بوديان الأنهار، حيث كانت الحياة أصعب ومستوى المعيشة أكثر تقشفا.
ومما لا يدعو للدهشة، أن الرجال الذين دفنوا مع قدائم حجرية كان لديهم بصمات نظائرية تدل على أنهم نشئوا في وديان الأنهار الغنية، في حين أشارت البصمات النظائرية لأولئك الذين دفنوا دون قدائم حجرية إلى نشأتهم في مناطق التلال الأكثر فقرا. صارت هذه الفروق في الثروة والمنزلة أبرز وأوضح مع مرور الزمن، مع زيادة حجم القرى الزراعية، ومع تكديس الأسر المزارعة كميات أكبر من الثروة والأملاك.
سنطالع لاحقا في هذا الفصل الدليل على أن شعب الخزف الخطي لم يجلب الزراعة فقط إلى أوروبا في العصر الحجري الحديث، وإنما كان أيضا هو من بدأ فيها الحروب، لكن من المهم أولا أن نضيف شيئين آخرين إلى القائمة الطويلة للتغييرات التي أسفر عنها تبني الزراعة في المجتمع. الشيء الأول هو أن الأطفال صاروا أصولا اقتصادية لعائلاتهم. والثاني هو أن الجانب الجنسي للنساء صار بمثابة تهديد لاستقرار المجتمع.
الأطفال كملكية خاصة
كان لأطفال الصيادين وجامعي الثمار في العادة فرص قليلة للمساهمة بطريقة مفيدة في إعالة أسرهم وأقاربهم؛ لأن كل أنشطة الحصول على الطعام تقريبا لدى الصيادين وجامعي الثمار كانت تتطلب قوة البالغين وجلدهم ومعرفتهم وخبراتهم. أما أطفال المزارعين والرعاة، على الجانب الآخر، فكان باستطاعتهم أن يصيروا بسهولة موارد قيمة من أجل ثروة الأسرة واستقرارها وطول أجلها.
كانت عملية صيد الحيوانات البرية مهمة خطيرة ومعقدة، وتحتاج انضباطا ومهارة في استخدام الأسلحة وبأس البالغين. ورغم أن أطفال الصيادين وجامعي الثمار كانوا كثيرا ما يلعبون أدوار الصيادين مستخدمين لعبا على هيئة أسلحة، فإنهم لم يكونوا قادرين على مطاردة وقتل أي شيء أكبر حجما من حشرة كبيرة أو حيوان صغير من الزواحف أو فرخ. في الواقع، كان الأمر يستغرق أعواما من الفرد كي يكتسب الخبرة والمهارة الكافيتين من الصيادين البالغين قبل أن يصير صيادا منتجا؛ فقد كان يتعين عليه تعلم عادات كل نوع من أنواع حيوانات الصيد العديدة، وكان عليه أن يتعلم كيف يقتفي أثرها ويحاصرها ويقتلها دون أن يجرح، وكيف يذبحها ويدافع عن صيده من أطماع الضواري الأخرى، وكيف ينقل الأجزاء القابلة للأكل والاستخدام عائدا إلى المخيم حيث يمكن طهو اللحم وتناوله، وحيث يمكن معالجة الجلود الخام والعظام والأوتار لاستخدامها كمنتجات جلدية وأدوات وحبال.
Página desconocida