Sin Ataduras
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Géneros
تتباين التقديرات حول تاريخ انفصال قملة الجسم عن قملة الرأس من دراسة لأخرى، لكن تتراوح كل التواريخ بين 80 ألف و170 ألف سنة. ستلاحظون أن هذا التاريخ أحدث كثيرا من فترة الخمسمائة ألف عام التي مضت حين بدأت شعوب الهومو إريكتوس التوسع في الدوائر الشمالية، لكنه يتفق تماما مع الفترة التاريخية التي بدأ فيها ظهور أقدم أدلة للإنسان الحديث تشريحيا. لقد طرح تفسيران محتملان لهذه التواريخ المتباينة.
ثمة احتمال أن سلالات القمل الموجودة حاليا لدى البشر الأحياء كانت سلالات حديثة وقد تطورت لدى الشعوب القديمة من الإنسان الحديث تشريحيا، في حين أن السلالات الأقدم من القمل التي كانت تعيش في رءوس وأجسام الهومو إريكتوس وغيرهم من البشر الناشئين اندثرت فحسب حين انقرض البشر الناشئون أنفسهم. أما التفسير المرجح الآخر فهو يستند إلى الاختلاف بين الكساء غير المحيك الذي كان يصنعه البشر الناشئون وبشر النياندرتال في مقابل الكساء المحيك الذي صنعه الإنسان الحديث تشريحيا الأحدث عهدا.
أول ما بدأ أشباه البشر ارتداء الملابس - الذي لا بد أنه حدث منذ ما يقرب من نصف مليون عام، حين أخذوا يستقرون في بيئات متوغلة جدا شمالا وشديدة البرودة على أن يبقوا فيها على قيد الحياة دون ملابس - يرجح أن ملابسهم اشتملت على أردية أو عباءات فضفاضة من الجلد تبسط حول الجسم وتشبك بارتخاء بسيور من الجلد أو الأوتار. لم تلائم مثل تلك الملابس شكل الأطراف والجذع، ولم تكن متشبثة بالجلد.
ربما لهذا السبب لم توفر الملابس غير المحيكة بيئة حامية بدرجة كافية لقمل الرأس ليهجر الفروة ويبدأ العيش في جسد أشباه البشر غير المشعر نسبيا والتكاثر فيه، لكن الإنسان الحديث تشريحيا الذي ظهر في شمال أوروبا منذ نحو 50 ألف عام كان يصنع ملابس محيكة بالكامل ملتصقة بجسمه، مثل ملابس شعوب الكري والتلينجيت التي درسها بعض اختصاصيي علم الإنسان المعاصرين. وقد عرفنا هذا من آثار النسج والحياكة التي عثر عليها في مواقع أثرية تعود لعصور ما قبل التاريخ عاش فيها الإنسان الحديث تشريحيا.
10
من المحتمل بناء على هذا أن قملة الجسم البشري لم تبدأ استغلال بيئتها المناسبة في ملابس البشر إلا حين بدأ الإنسان الحديث ارتداء الملابس الملاصقة للجسم التي وفرت ملاذا آمنا بين ملابسهم المحيكة حديثا وجلدهم الدافئ العاري. إن صح ذلك فهذا سيفسر لماذا يبدو أن قملة الجسم البشري قد ظهرت على الساحة بعد تقنية الملابس بوقت طويل جدا. أما كيفية انتقال قملة شعر العانة البشرية من قردة الغوريلا إلى أشباه البشر فهو أمر ما زال بحاجة للبحث.
حماية الرضيع البشري «المبتسر» ودماغه الضخم
منحت تقنية المساكن والملابس أشباه البشر درجة من الحرية والمرونة في التعامل مع الطبيعة لم ينعم بها أي نوع حيواني آخر؛ فلم يعد سكنهم مقتصرا على الكهوف التي تتيحها الطبيعة في بيئاتهم، وإنما صار أشباه البشر عوضا عن ذلك قادرين على بناء كهوفهم الصناعية؛ مما أتاح لهم الاستقرار أينما توفر الغذاء متقين الرياح والأمطار بأكواخهم البدائية، ومحتمين من الضواري بنيران مخيماتهم الليلية.
كما رأينا في الفصل السابق، مكنت القدرة على السيطرة على النار أشباه البشر من الاستعاضة بمجموعة من الأطعمة المطهوة الأسهل هضما عن أنظمة الغذاء النيئ لدى أسلافهم أشباه البشر الأوائل. أتاح الطهو لأشباه البشر الأوائل تلبية احتياجاتهم من الطاقة بأجهزة هضمية أصغر حجما؛ ومن ثم دعم أدمغتهم التي ازداد حجمها. بيد أن هذا نصف القصة فقط؛ فمع تزايد حجم دماغ أشباه البشر نشأت مشكلة أخرى؛ مشكلة مختلفة تماما عن المشكلة الكيميائية الحيوية المتعلقة بتزويد هذا النسيج المتزايد «التكلفة» بالطاقة التي يحتاجها حتى يعمل. تعلقت هذه المشكلة الجديدة بالضرورة الآلية المطلقة لإيجاد طريقة جديدة لرأس مولود أشباه البشر السريع النمو حتى يمر بسلام من فتحة الحوض التي كانت ثابتة الحجم.
أثناء تطور أشباه البشر من أقدم أشكال الهومو إريكتوس إلى أشكال الهومو سيبيانز (الإنسان العاقل) الحديثة تماما، زاد حجم الدماغ عن الضعف، إلا أن حجم الجسد البشري طوال هذه الفترة لم يزد مطلقا. وبطبيعة الحال، مع ازدياد حجم دماغ أشباه البشر المتطور سريعا زاد حجم رأس وليد أشباه البشر أيضا. بيد أن تطور الحركة على قدمين كان قد حتم أن تصير عظام الحوض أقصر وأسمك من عظام حوض القردة؛ فالقدرة على الوقوف والسير والركض بقامة منتصبة جعلت من الضرورة التحول عن الحوض المرن المتخذ الحلقي الشكل لدى القردة إلى حلقة العظم الصلبة لدى أشباه البشر، شبه المستديرة الشكل، التي كانت قوية وجامدة بدرجة كافية لحمل وزن الجزء العلوي من جسد أشباه البشر بالكامل.
Página desconocida