Sin Ataduras
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Géneros
أشباه البشر الذين يستطيعون حمل رمح في أياديهم لأميال يستطيعون أيضا أن يحملوا فرعا مشتعلا لأميال. فقبل أن يتعلم أشباه البشر كيفية إشعال النار بوقت طويل، لا بد أنهم قد تعلموا كيف يتناولونها وينقلونها ويحضرونها لمنازلهم، ويبقون عليها لأيام وأسابيع. الصواعق والأشجار والحشائش المشتعلة التي من الممكن أن تنجم من الصواعق، كانت شائعة في أفريقيا ما قبل التاريخ، ومن المرجح جدا أنها كانت مصدر النار التي كان البشر الناشئون يأتون بها لمنازلهم ويروضونها منذ مليوني عام تقريبا.
تأتي بعض أقدم الأدلة على استخدام الهومو إريكتوس للنار وإخضاعه لها منذ مليون عام أو أكثر من كهوف في جنوب أفريقيا وشرقها؛ فالعديد من هذه الكهوف الشاسعة الجافة كان المأوى المفضل لبعض أخطر ضواري أفريقيا في عصور ما قبل التاريخ، مثل الأسود والفهود والدببة والثعابين، لكن لم يكن أي من هذه الحيوانات ليظل في كهف مليء بالنيران والدخان طويلا. وهكذا حين تعلم الهومو إريكتوس إشعال النار داخل الكهوف، صار قادرا على إخراج الحيوانات الأخرى، والانتقال إلى هذه المساكن الأثيرة واستخدامها كمقرات إقامة لأسابيع وشهور أحيانا.
على النقيض، حين يعثر على بقايا أشباه البشر الأوائل مثل الأوسترالوبيثيكوس في الكهوف، عادة ما يبدو واضحا أن أجسادهم قد جرجرها داخل هذه الكهوف أعداؤهم الطبيعيون، خاصة القطط الكبيرة، التي كانت تفترسهم. فمن دون النار، ما كان لأحد أشباه البشر أن يستطيع أن يتخذ من كهف مسكنا لوقت طويل، إلا أنه في العديد من أقدم المواقع الأثرية التي بها أدلة على استخدام البشر الناشئين للنار، لا تتوفر أدلة على طهي طعام بها سواء كان لحما أو خضروات. توصل علماء الآثار الذي نقبوا في هذه المواقع إلى نتيجة مفادها أن النار كانت في المقام الأول تشعل في هذه الكهوف كمصدر للضوء وكنوع من الحماية من الضواري. تحرر البشر الناشئون بقدرتهم الجديدة على السيطرة على النار من ضرورة النوم على الأشجار ليلا، ولأول مرة صار أشباه البشر كائنات أرضية تماما.
منحت القدرة على ترويض النار مزايا عديدة للبشر الناشئين؛ فالنار لم تطرد الضواري الضخمة والخطيرة فحسب من الكهوف، وإنما أخرجت أيضا الحشرات والزواحف والهوام الحاملة للأمراض التي كانت تسكن الكهوف هي الأخرى. وبإشعال النار في أرض مغطاة بالآجام الكثيفة، أمكن القضاء على الحشرات الضارة والزواحف والثعابين السامة التي كانت تعيش في تلك الموائل أو طردها من مساحات واسعة إلى حد كبير.
كذلك أدى إشعال النار في الآجام الكثيفة التي في بيئة السافانا إلى إخلاء الأرض؛ مما عزز من نمو حشائش جديدة غضة، وجذب حيوانات آكلة للعشب مثل الظباء التي كانت من فرائس أشباه البشر المفضلة. في الواقع، كان العديد من مجتمعات الصيد وجمع الثمار التي بقيت حتى العصور الحديثة في سهول أفريقيا وآسيا والغرب الأمريكي تتعمد إشعال النار طوال حياتها؛ من أجل تحفيز نمو حشائش جديدة، ولجذب قطعان حيوانات الصيد تجاه مخيماتها، حيث كان يمكن الإيقاع بها وقتلها بسهولة.
كانت النار توفر مصدرا طيعا للحرارة لم يجعل الكهوف الباردة الرطبة من الداخل أكثر قابلية للسكنى فحسب، لكنه كذلك أتاح للبشر الناشئين الهجرة إلى مناطق ذات مناخ أشد برودة، حتى إن الهومو إريكتوس في مرحلة مبكرة من تاريخه المميز هاجر من أفريقيا وظهر في عدة مواقع في أوروبا وآسيا منذ أكثر من 1,5 مليون سنة، فكان أول أشباه البشر الذين يسكنون قارة أوراسيا. وأخيرا أتاحت النار للبشر الناشئين ابتكار تقنيات متطورة في صنع الأدوات، مثل معالجة أدوات وأسلحة خشبية بالنار أو تقويتها، وهي التقنية التي كانت متطورة تماما منذ 400 ألف سنة مضت، وهو ما دلت عليه رماح شونينجين الخشبية التي جاء وصفها في الفصل السابق.
السهر
أغلب الرئيسيات كائنات نهارية؛ تنشط بالنهار وتخمل في الليل؛ فحين يخيم الظلام من المألوف أن تلوذ القردة والسعادين بالصمت، وتتوقف عن الحركة، وتستعد للنوم. وهذا السلوك الشائع بين كل الرئيسيات غير البشرية تقريبا،
8
ينظمه استجابة هرمونية لمستوى الضوء الذي يصل إلى العين. فيطلق الميلاتونين - أحد الهرمونات التي تفرزها الغدة الصنوبرية الصغيرة، عند قاعدة الدماغ - حين يبدأ مستوى الضوء في البيئة المحيطة في الانخفاض مع اقتراب غروب الشمس.
Página desconocida