135

Sin Ataduras

بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية

Géneros

إلا أن مستقبل كوكبنا الفريد الذي ليس له بديل تتهدده الآن التقنيات نفسها التي جعلتنا بشرا تهديدا خطيرا كما لم يحدث من قبل قط؛ فالكوارث البشرية من حروب وتلوث وتصحر وانقراض للأنواع وتغير للمناخ - التي انبثقت كلها من براعاتنا التقنية - جعلت العالم الحي على المحك. لكن قبل أن نبحث كل تهديد من هذه التهديدات بالتفصيل، لا بد أن نفكر مليا في أحد الأسئلة الجوهرية في عصرنا. هل نستطيع أن نهرب من الشرور التي خلقناها بأيدينا بأن نترك الأرض وراءنا ونبدأ من جديد؟ هل نستطيع بناء حياة أفضل للبشرية على أرض بكر لكوكب آخر؟

هل نستطيع استعمار كواكب أخرى؟

ثمة فكرة صارت شائعة في السنوات الأخيرة، حيث يتصور أن أجيال المستقبل من البشر سيفرون من مشكلات الأرض باستخدام تقنيات متطورة لاستعمار كواكب أخرى، لكن حتى إن تجاهلنا التحدي اللوجيستي الهائل المتمثل في إطلاق مئات آلاف الأطنان من المؤن والمعدات في الفضاء - وفكرنا فقط في الظروف البيئية التي نعلم بوجودها في كواكب أخرى - فلن يبدو هدف استعمار أجرام سماوية أخرى غير واقعي فحسب، بل متعذرا فعليا أيضا، بحكم الواقع.

أما قمر كوكب الأرض فهو عالم صامت خال من الهواء يتكون من صخور صماء وغبار لا حياة فيه. واليوم الواحد على القمر يوازي ثمانية وعشرين يوما على الأرض، ودرجات الحرارة على سطح القمر خلال نهار هذه «الأيام» القمرية ساخنة لدرجة تكفي لغليان المياه، بينما قد تنخفض درجات الحرارة خلال هذه «الليالي» القمرية لنحو 300 درجة تحت الصفر على مقياس فهرنهايت.

كوكب عطارد من ناحية أخرى هو كرة عديمة الهواء من الحديد والصخور تدور ببطء شديد، حتى إن اليوم الواحد على عطارد يستمر شهرين تقريبا من أيام كوكب الأرض؛ ولهذا السبب ترتفع درجات الحرارة على سطح عطارد إلى 650 فهرنهايت خلال «النهار»، وتنخفض إلى 274 تحت الصفر خلال «ليل» عطارد.

أما كوكب الزهرة فتكتنفه غيوم ملتفة من حامض الكبريتيك، وغلافه الجوي كثيف، حتى إن الضغط الجوي على سطح الكوكب ثقيل جدا؛ إذ يبلغ 1350 رطلا لكل بوصة مربعة؛ هذا أكثر 92 مرة من الضغط الجوي على الأرض البالغ 14,7 رطلا لكل بوصة مربعة عند مستوى سطح البحر، وهو في الواقع يعادل الضغط الذي سيشعر به الغواص عند الغوص نصف ميل تحت البحر. وبسبب «تأثير الاحتباس الحراري الجامح» لغلافه الجوي المشبع بثاني أكسيد الكربون، ترتفع درجات الحرارة على سطح كوكب الزهرة بشكل دائم عن ثمانمائة درجة فهرنهايت، وهي حرارة كافية لإذابة معظم المعادن اللينة، ومن بينها الرصاص والزنك.

وكوكب المريخ أرض قاحلة متجمدة من الصخور والغبار حمراء اللون بسبب تركز أكسيد الحديد بها بدرجة مرتفعة. ويصل متوسط درجات الحرارة على سطح المريخ إلى 80 درجة تحت الصفر على مقياس فهرنهايت. الغلاف الجوي للمريخ أرق مائة مرة من الغلاف الجوي للأرض، ويتكون 95 في المائة من هذا الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون، مع وجود قدر ضئيل من الأكسجين. وبالإضافة إلى درجات الحرارة القاسية والهواء غير الصالح للتنفس، تضرب العواصف الترابية العاتية المريخ بانتظام، وقد تستمر شهورا متتالية، وكثيرا ما يزيد حجمها فتحيط بالكوكب بأكمله.

المشتري وزحل ونبتون وأورانوس - «عمالقة الغاز» في نظامنا الشمسي - تتكون من لب من الجليد والصخور أكبر من الأرض مغطى بغلاف جوي سميك من الهيدروجين والهيليوم، ومدفون تحت محيطات مترامية من الهيدروجين والهيليوم المسيلين يصل عمقها لآلاف الأميال. ليس لأي من هذه الكواكب أي «أسطح» حقيقية بالمعنى الطبيعي للكلمة، وإنما مناطق طرية حيث تنضغط الغازات فتتحول إلى سوائل، وحيث تنضغط السوائل فتتحول إلى مواد صلبة، وكلها مخفية في ظلام دامس ودائم.

حين نضع في الاعتبار قسوة بيئة الكواكب الأخرى التي في مجموعتنا الشمسية على كل أشكال الحياة المعروفة، نجد أنه لا يوجد بينها مرشح مقبول للاستيطان البشري. ولا شك أنه سيكون حلا عمليا أفضل بكثير - وأسهل - أن نستوطن قارة أنتاركتيكا الشاسعة غير المأهولة، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 20 و50 تحت الصفر فحسب، وحيث الهواء قابل تماما للتنفس وغني بالأكسجين، وحيث السماء زرقاء. لكن لما كانت خامس أكبر قارات الأرض مفتقرة لعنصر الرومانسية الخيالية الذي يلف الكوكب الأحمر، لم يحدث إقبال لاستيطانها على وجه العموم.

لكن ماذا عن «الكواكب الشبيهة بالأرض» التي اكتشفها علماء الفلك في مجموعات شمسية أخرى قريبة؟ هل يمكن أن يوفر أحدها موطنا ثانيا لفائض السكان من البشر الذين قد يفيض بهم سطح الأرض قريبا، مع وضع معدل الزيادة السكانية الحالي في الاعتبار؟

Página desconocida