Sin Ataduras
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Géneros
من ثم ليس من المستغرب أن يعاني الناس في المجتمع الحديث من مستويات من القلق والاكتئاب والشك الذاتي تفوق بكثير أي شيء لاحظه اختصاصيو علم الإنسان الذين درسوا ثقافات عصور ما قبل الصناعة، سواء الصياديون وجامعو الثمار أو الزراعيون. إنها بالتأكيد واحدة من أكبر مفارقات تاريخ البشر أن تطور الحياة الحديثة بكل سبل الأمن والأمان والراحة والترفيه، قد اجتاحه وباء غير مسبوق في تاريخ النوع البشري من اضطرابات التغذية ومرض القلب والأرق وإدمان المخدرات والعصاب والذهان والسخط المرضي. •••
في الوقت ذاته الذي تنتشر فيه سريعا آثار الميكنة والتمدن وتوظيف المجتمع وتراجع القيم التقليدية بين الجماعات البشرية كافة، يختمر تحول جديد. وقد تقزم التغيرات التي سيجلبها في حياة البشر حتى التغيرات الضخمة التي وقعت بالفعل منذ ظهور الآلات الدقيقة.
هذا التحول الأخير، الناجم عن اختراع التقنية الرقمية، يحتمل أن يحل محل كل أشكال العمل البشري - البدني منها والذهني - بآلات لا تشتكي قط، ولا تعصي، ولا تحتاج طعاما أو ماء أو نوما أو راحة، ولا تطلب أجرا. لقد زاد عدد سكان الأرض بدرجة كبيرة، حتى إنه لم يعد ممكنا أن يعود البشر إلى الصيد أو جمع الثمار أو زراعة غذائهم. إذن ما نوع العالم الذي سنقبل عليه؟ هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عليها في الفصل التالي من هذا الكتاب.
الفصل التاسع
تقنية المعلومات الرقمية
الشبكة العنكبوتية العالمية للتواصل البشري
ليست قدرة الإنسان على التعلم بأكثر صفاته بشرية؛ إذ يتشارك فيها مع عدة أنواع أخرى، وإنما أكثر ما يميزه كبشر قدرته على تعليم وتخزين ما ابتكره الآخرون وعلموه إياه.
مارجريت ميد، «الثقافة والالتزام»
في عام 1822م صمم عالم الرياضيات والمهندس والمخترع البريطاني تشارلز بابيج آلة يمكنها أداء حسابات لوغاريتمية ومثلثية معقدة استخدمها بحارة ومهندسون وعلماء، وكانت الآلة قادرة على فعل هذا دون احتمالية وقوع خطأ. أسمى بابيج اختراعه محرك فرق، وقد صنع بالكامل من آليات دقيقة، بآلاف العجلات وأعمدة التدوير والتروس لكن من دون أجزاء كهربائية. والسبب بسيط؛ إذ ستمضي سنوات قبل أن ينجح مايكل فاراداي وآخرون في صنع أول محركات كهربائية. حتى ذاك الوقت لم يكن متاحا مصدر ميسور التكلفة ومضمون للطاقة الكهربائية، ولم يكن قد اخترع بعد أي من المرحلات والصمامات المفرغة وسائر المكونات الكهربائية اللازمة لصنع حاسب إلكتروني.
كان محرك الفرق مشروعا عملاقا؛ فقد بلغ ارتفاعه ثماني أقدام، وتكون من خمسة وعشرين ألف قطعة معدنية، وبلغ وزنه نحو خمسة عشر طنا. في عام 1823م عين بابيج المهندس البريطاني المرموق جوزيف كليمنت لصنع محرك الفرق، لكن بعد سنوات عديدة من الجهد لم يكتمل سوى جزء من العمل على صنع الجهاز؛ إذ تشاجر بابيج وكليمنت حول تكلفة العمل، وبعد ثماني سنوات من بدء المشروع انفصل كل منهما عن الآخر. كانت الحكومة البريطانية حينذاك قد أنفقت 17000 جنيه إسترليني على محرك فرق بابيج، وهو ما كان يعادل تكلفة اثنتين وعشرين قاطرة بخارية جديدة في تلك الأيام.
Página desconocida