El comienzo y el fin
البداية والنهاية
Editorial
مطبعة السعادة
Ubicación del editor
القاهرة
Géneros
Historia
فَتَحَدَّثَ بِهَا الْقِبْطُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَوَصَلَتْ إِلَى فرعون فذكرها له بعض أُمَرَائِهِ وَأَسَاوِرَتِهِ وَهُمْ يَسْمُرُونَ عِنْدَهُ فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِ أَبْنَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذَرًا مِنْ وُجُودِ هَذَا الْغُلَامِ وَلَنْ يُغْنِيَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ.
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي مالك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَقَتْ دَوْرَ مِصْرَ وَجَمِيعَ الْقِبْطِ وَلَمْ تَضُرَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ هَالَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ وَالْحُزَاةَ والسحرة وسألهم عن ذلك فقالوا هذا غلام يولد من هؤلاء يَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ فَلِهَذَا أَمَرَ بِقَتْلِ الْغِلْمَانِ وَتَرْكِ النِّسْوَانِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ٢٨: ٥ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ٢٨: ٥ أي الذين يؤل مُلْكُ مِصْرَ وَبِلَادُهَا إِلَيْهِمْ (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ) ٢٨: ٦ أي سنجعل الضعيف قويا والمقهور قادرا وَالذَّلِيلَ عَزِيزًا وَقَدْ جَرَى هَذَا كُلُّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ٧: ١٣٧ الآية وقال تعالى كم تركوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وأورثناها بنى إسرائيل وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ الله.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ فِرْعَوْنَ احْتَرَزَ كُلَّ الِاحْتِرَازِ أَنْ لَا يُوجَدَ مُوسَى حَتَّى جَعَلَ رِجَالًا وَقَوَابِلَ يَدُورُونَ عَلَى الْحَبَالَى وَيَعْلَمُونَ مِيقَاتَ وَضْعِهِنَّ فَلَا تَلِدُ امْرَأَةٌ ذَكَرًا إِلَّا ذَبَحَهُ أُولَئِكَ الذَّبَّاحُونَ مِنْ سَاعَتِهِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ إِنَّمَا كان يأمر بقتل الْغِلْمَانِ لِتَضْعُفَ شَوْكَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَا يُقَاوِمُونَهُمْ إذا غالبوهم أو قاتلوهم. وهذا فيه نظر بل هو باطل وإنما هذا في الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى كَمَا قَالَ تَعَالَى فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ ٤٠: ٢٥ وَلِهَذَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمن بَعْدِ مَا جِئْتَنا ٧: ١٢٩ فَالصَّحِيحُ أَنَّ فِرْعَوْنَ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ الْغِلْمَانِ أولا حذرا من وجود موسى. هذا والقدر يقول يا أيها ذا الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الْمَغْرُورُ بِكَثْرَةِ جُنُودِهِ وَسُلْطَةِ بَأْسِهِ وَاتِّسَاعِ سُلْطَانِهِ قَدْ حَكَمَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يغالب ولا يمانع ولا يخالف أَقْدَارُهُ أَنَّ هَذَا الْمَوْلُودَ الَّذِي تَحْتَرِزُ مِنْهُ وَقَدْ قَتَلْتَ بِسَبَبِهِ مِنَ النُّفُوسِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى لَا يَكُونُ مُرَبَّاهُ إِلَّا فِي دَارِكَ وَعَلَى فِرَاشِكَ وَلَا يُغَذَّى إِلَّا بِطَعَامِكَ وَشَرَابِكَ فِي مَنْزِلِكَ وَأَنْتَ الَّذِي تَتَبَنَّاهُ وَتُرَبِّيهِ وَتَتَعَدَّاهُ وَلَا تَطَّلِعُ عَلَى سِرِّ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَكُونُ هَلَاكُكَ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ عَلَى يَدَيْهِ لِمُخَالَفَتِكَ مَا جَاءَكَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ وَتَكْذِيبِكَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ لِتَعْلَمَ أَنْتَ وسائر الخلق أن رب السموات وَالْأَرْضِ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ وَأَنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ ذُو الْبَأْسِ الْعَظِيمِ وَالْحَوَلِ وَالْقُوَّةِ وَالْمَشِيئَةِ الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْقِبْطَ شَكَوْا إِلَى فِرْعَوْنَ قِلَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسَبَبِ قَتْلِ
1 / 238