Bertrand Russell: Una Introducción Muy Corta
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
كيف يمكن إنشاء حكومة عالمية؟ من غير المحتمل أن ترغب الحكومات القومية في التخلي عن سيادتها في سبيل تصور مثالي من هذا القبيل. ومن وجهة نظر راسل، فإن الطريقة الأوفر حظا هي أن قوة واحدة - أو تكتلا من القوى - ستتمكن من السيطرة على العالم في نهاية المطاف، وستتألف منها الحكومة العالمية بحكم الواقع. وفي سياق الحرب الباردة، من الممكن اعتبار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحلف وارسو - أو على نحو أدق، المسئولين الأساسيين على رأس كل منهما - يتنافسان على تحقيق هذه النتيجة. وشبه راسل هذا الأمر بظهور الحكومة المنظمة في العصور الوسطى؛ إذ يستولي ملك ما على السلطة، ثم يبدأ الحكم الملكي - بحكم عملية التطور - في الخضوع تدريجيا للسيطرة الديمقراطية. ورأى راسل أن مثل هذه العملية قد تحدث في حالة الحكومة العالمية. وقال: «سيتحقق إحلال النظام محل الفوضى في العلاقات الدولية - في حالة حدوثها - عن طريق دولة ما أو مجموعة من الدول تتمتع بقوة عظمى. ولن يتسنى أن تبدأ عملية التطور صوب الشكل الديمقراطي من الحكومة العالمية إلا بعد تأليف هذه الحكومة الموحدة.» كان يرى أن هذه الفكرة قد تستغرق مائة عام، وفي أثناء ذلك ستكون الحكومة العالمية قد بدأت في اكتساب «درجة من الاحترام تمكنها من إرساء سلطتها على القانون والرأي بدلا من القوة» (آمال جديدة لعالم متغير، ص77-78).
من الموضوعات الرئيسة في فكر راسل الذي يتناول السياسة والحكم مشكلة الموازنة بين الحرية الفردية والحاجة إلى تحقيق السلام العالمي. ولكن المنافسة بينهما ظالمة في النهاية. فلا سبيل إلى هذه الحرية، بل إنه حتى إمكانية هذه الحرية تنتفي، في حالة القضاء على البشرية بفعل الحرب. وهكذا كان راسل مستعدا لتقبل الإخلال بالحرية أو إعاقتها لصالح إنقاذ البشرية. كان بالطبع يرجو إمكانية نيل السلام والحرية معا؛ ولكن تجربته مع البشر أجبرته على أن يتقبل أن الجشع والقسوة وانعدام التعقل وغيرها من الخصال البشرية الشائعة تجعل ذلك أمرا غير مرجح. وكتب راسل أن هذه الفكرة كثيرا ما ألقت به في غياهب اليأس. وهو الإحساس نفسه الذي انتابه إبان الحرب العالمية الأولى، حين سيق مئات الآلاف من الرجال إلى مذبحة مشتركة بلا طائل في أوحال أوروبا. وكم انتابه الإحساس نفسه على نحو أشد بعد الحرب العالمية الثانية، حين لم يعد الضحايا الذين من الممكن أن يلقوا مصرعهم بفعل الأسلحة النووية فقط من الجيوش، أو حتى الدول، بل - على أسوأ الفروض الممكنة - سكان العالم بأكمله. ومن ناحية ما، من المذهل كيف أن قلة قليلة فقط هي التي كانت تملك من الصفاء ما يتيح لها رؤية هذه الحقيقة ومن القدرة على التخيل ما يتيح لها الإحساس بفظاعتها. ويستحق راسل الثناء لأنه كان من بين تلك القلة التي امتلكت الأمرين.
الحرب والسلام
عارض راسل حرب البوير والحرب العالمية الأولى ، وأيد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وبذل جهودا مضنية في مناهضة إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة وشيكة وفي مناهضة حرب فيتنام القائمة فعلا. وقد شن حربا على الحرب حتى وفاته وهو يناهز 97 عاما. وقوبلت أنشطته المناهضة للحرب في الفترة المبكرة واللاحقة من حياته بالخصومة، وتسببت في دخوله السجن. ومع ذلك لا أحد يستطيع الآن أن يقول إنه كان مخطئا في اتخاذ المواقف التي اتخذها؛ فحين تتوقف مشاعر الغلو في القومية والشوفينية، ويبدأ إحصاء التكاليف الباهظة ومقارنتها بتقييم أكثر واقعية للأسباب التي أدت إلى تكبدها أساسا، يبدأ الناس في إدراك الحرب بأثر رجعي كما أتيح لراسل إدراكها آنذاك بفضل عبقريته.
شكل 4-4: هذا الرسم الكاريكاتوري من صحيفة إيفنينج ستاندرد يشير إلى حكم السجن لمدة أسبوع الذي صدر ضد راسل في سبتمبر من عام 1961، بعد إدانته بتهم تتعلق بالنظام العام وجهت إليه بعد خروج مظاهرة كبيرة لمؤيدي السلام في وسط لندن إحياء لذكرى هيروشيما.
1
لم يغير راسل رأيه قط في أن الحرب العالمية الأولى كانت غير ضرورية؛ فلم يكن ثمة خلاف فعلا بين ألمانيا وبريطانيا في عام 1914 فيما عدا الكرامة الوطنية وبعض مشاعر الغضب القابلة للحل بشأن خلافات استعمارية. ورأى راسل أنه كان يمكن تجنب القتال بالتفاوض؛ مما كان سيهدئ من انزعاج ألمانيا المبرر بشأن عدم نجاحها في السباق الاستعماري كما كانت ترجو. ولكن كان القائمون على وزارات الخارجية الأوروبية من الأرستقراطيين الذين تحركهم اعتبارات الكرامة الوطنية أكثر من اعتبارات المنطق السليم.
أخذ معارضو رأي راسل بشأن الحرب العالمية الأولى يؤكدون أن ألمانيا كانت مذنبة بالعدوان والنزعة التوسعية، وأنها كانت تسعى إلى الهيمنة على أوروبا؛ مما كان يهدد حرية بريطانيا؛ لأن ألمانيا - إذا انتصرت - كانت ستصبغ كل شيء بطابعها الاستبدادي والبيروقراطي؛ ومن ثم كان لدى بريطانيا دافع شرعي لدخول الحرب. لم يقبل راسل الدافع المتعلق بالتهمة الملصقة بألمانيا ولا النتيجة المرجحة التي كانت ستنشأ عن رفض بريطانيا دخول الحرب؛ وكان يرى أن النتيجة كانت ستصير على الأرجح أشبه بالصراع بين فرنسا وبروسيا الذي نشأ في عام 1871، والذي كان قصير الأمد وحاسما. ولكن حتى لو انتصر القيصر - وهو ما كان سيصير حدثا سيئا، ولكن ليس بدرجة السوء التي تتسم بها الحرب نفسها - لكانت النقطة الأساسية في رأيه هي أن دخول الحرب يتطلب وجود مبرر وجيه جدا، وأن ذلك المبرر لم يكن موجودا في عام 1914.
وفي عام 1939، اختلفت الأمور اختلافا كبيرا. فإبان ثلاثينيات القرن العشرين، أصبح راسل في الواقع ممن يسترضون العدو اجتنابا للعدوان، وذلك كما يشهد كتابه «أين الطريق إلى السلام؟» الذي نشر في عام 1936. وقد رفض راسل السماح بإعادة نشر الكتاب لأنه بحلول الوقت الذي انتهى فيه من الكتاب أصبح يشعر بأنه يتسم بالنفاق، وأن ظروف ثلاثينيات القرن العشرين تختلف اختلافا كبيرا عن ظروف عام 1914:
تقبلت على مضض إمكانية تفوق ألمانيا تحت حكم القيصر. ورأيت أن هذا - مع أنه كان سيصير حدثا سيئا - ما كان سيصبح بدرجة السوء نفسها التي يتصف بها اندلاع حرب عالمية والآثار المدمرة المترتبة عليها. ولكن ألمانيا تحت حكم هتلر كانت موضوعا مختلفا؛ إذ أدركت أن النازيين كريهون للغاية؛ فهم قساة ومتعصبون وأغبياء. وشعرت بأنهم يتسمون بالشناعة أخلاقيا وفكريا من وجهة نظري. (السيرة الذاتية لبرتراند راسل، ص430)
Página desconocida