Bertrand Russell: Una Introducción Muy Corta
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
ومن وجهة نظر راسل، يشير التاريخ إلى أن الملكية تشكل أول نمط من النظام السياسي المتقدم. وأخذت السلطة تتسرب تدريجيا خلال النظام التراتبي الاجتماعي من الملك - الذي كان يدعي أنه يتلقاها من الله، وذلك في الكثير من الأنظمة السياسية - إلى طبقة النبلاء والطبقة العليا الأرستقراطية، انتهاء بأقل رجل في كوخه كرب لأسرته. وكانت مزايا النظام - حين فرض ولاء المشاركين فيه - هو الترابط الاجتماعي، وضرره هو أن الحاكم المطلق ليس لديه ما يحفزه للحكم بدافع تحقيق النفع العام؛ ويوجد الكثير من الحالات التي أصبحت فيها تلك الأنظمة أنظمة مستبدة وقاسية (السلطة، ص189).
ويقول راسل إن النظام الذي يخلف الحكم الملكي هو حكم الأقلية؛ ويضم هذا النظام مجموعة متنوعة من الأنماط: الطبقة العليا الأرستقراطية أو طبقة الأثرياء أو جماعات الكهنة أو الأحزاب السياسية. وكان من وجهة نظر راسل أن حكم الأثرياء - ومن أمثلة ذلك المدن ذات الحكم المستقل في العصور الوسطى ومدينة البندقية (فينيسيا) إلى أن استولى عليها نابليون - قد نجح إلى حد ما، لكنه لم يعتقد أن رجال الصناعة في العصر الحديث حققوا النجاح نفسه (السلطة، ص193). وكما هي الحال مع الحكم الملكي حين يفرض الولاء، فإن كلا من الكنيسة وجماعات حكم القلة السياسية الحزبية يمكنها أن تؤدي إلى الترابط الاجتماعي عن طريق تبادل المعتقدات أو الأيدولوجية، ولكن يكمن خطرهما الجسيم في أنهما تهددان الحرية. وجماعات حكم القلة هذه لا يمكنها التسامح مع من يختلفون مع وجهات نظرها، ولا يمكنها السماح بوجود مؤسسات قد تتحدى احتكارها للسلطة (السلطة، ص195-196).
ومع ذلك - كما ذكر راسل - فإنه ثمة فائدة يمكننا أن نحصل عليها من حكم القلة - بشرط إمكانية ضمان الحصول على الحرية في ظلها - وهي أنه يسمح بوجود طبقة مترفة تنعم بقدر وافر من وقت الفراغ. والسبب في ذلك هو أن التنعم بوقت الفراغ هو حالة تتيح فرصة ازدهار الحياة الذهنية اللازمة للأدب والتعلم والفن. كان هذا في الماضي يتطلب تضحية السواد الأعظم من الناس ممن كانوا مضطرين إلى الكدح لساعات طويلة حتى يتسنى للقلة الاستمتاع بالحريات الضرورية. ولكن من رأي راسل أنه إذا استغلت التكنولوجيا الحديثة، «لأمكننا - في غضون عشرين عاما - القضاء على كل أشكال الفقر المدقع وعلى نصف الأمراض في العالم والرق الاقتصادي بأكمله الذي يكبل تسعة أعشار سكان بلادنا، ولأمكننا أن نملأ العالم بالجمال والسعادة ونضمن أن يسود السلام العالمي» (المثل العليا السياسية، ص27). وأدلى راسل بهذه التصريحات المثالية في عام 1917 - وذلك على سبيل إضاءة شمعة في ظلام الحرب - ولكنها لا تخلو تماما من الصواب؛ فعند الأخذ في الحسبان نجاح العلم واستخدامه بذكاء للأغراض السلمية، لا يوجد مبرر يمنع إتاحة المزيد من وقت الفراغ - ومن ثم المزيد من الظروف اللازمة لحياة من الإبداع والنجاح - للمزيد من البشر. وتؤدي هذه الإمكانية إلى إضعاف الحجة المؤيدة للأبنية الاجتماعية التي تدعم طبقة تتمتع بقدر وافر من وقت الفراغ، ويفسح المجال بدلا من ذلك لدعم حجة قوية مؤيدة للديمقراطية.
ومع ذلك، لا تختلف الديمقراطية عن حكم القلة إلا من حيث الدرجة - حسبما يلاحظ راسل - لأنه حتى في ظل الديمقراطية لا يستطيع الإمساك بزمام السلطة الحقيقية إلا حفنة من الناس؛ مما جعل راسل متشائما حتى بشأن النموذج البرلماني البريطاني العتيد، الذي يكون فيه عضو البرلمان العادي في الواقع ليس إلا أداة للتصويت لحزبه. ولكن الصورة ليست كئيبة تماما فيما يتعلق بالديمقراطية، فمع أنها لا تستطيع ضمان الحكم الرشيد، فإنها تستطيع منع بعض أوجه الفساد، وذلك عن طريق ضمان عدم استمرار أي حكومة سيئة في السلطة بصفة دائمة (السلطة، ص286).
وأفضل ما يميز الديمقراطية في رأي راسل هو ارتباطها ب «مذهب الحرية الشخصية»، الذي كان يقدره تقديرا شديدا. ويتألف المذهب من سمتين؛ السمة الأولى هي أن الحرية تحميها متطلبات مراعاة الأصول القانونية، وهي التي تحمي المرء من التوقيف والعقاب التعسفي. والسمة الثانية هي أنه توجد مناطق من التصرفات الفردية لا تكون خاضعة لسيطرة السلطات، بما في ذلك حرية التعبير والاعتقاد الديني. وهذه الحريات ليست بلا قيود؛ ففي زمن الحرب - مثلا - قد يكون من الضروري تقييد حرية التعبير لصالح الأمن القومي. وأقر راسل بأنه من الجائز فعلا وجود قدر كبير من التضارب بين مصالح المجتمع ككل ومصالح الفرد الذي يرغب في الحصول على أقصى قدر من الحرية. وقال: «ليس من الصعب على حكومة معينة أن تقر بحرية الفكر حين تستطيع الاعتماد على ولاء الفعل، ولكن حين لا تستطيع ذلك، يصبح الأمر أصعب» (السلطة، ص155).
إن مسائل التنظيم السياسي - في رأي راسل - هي مسائل تتعلق بالتنظيم الاقتصادي بدرجة مهمة. كان راسل في البداية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى يناصر حرية التجارة، وظل مؤيدا لنظام الاقتصاد الحر لسبب وجيه هو أنه كان معارضا للتراكم المفرط للقوة الاقتصادية تحت سيطرة أي جهة واحدة بعينها، سواء أكانت الرأسماليين أو الحكومات. لم يكن راسل يمانع في أن يصبح الناس أغنياء إذا كانوا قد كسبوا المال بكدهم، ولكنه كان يعارض فكرة الثروة التي تئول إلى المرء بالوراثة. ومع أنه كان مؤيدا للاشتراكية طوال معظم حياته، فقد كان ذلك على نحو متحفظ للغاية. وقال إن دور الحكومة في الشئون الاقتصادية هو الحماية من المظالم الاقتصادية. ولكن هذا لا يتحقق على أفضل وجه بأن نعهد بملكية وسائل الإنتاج أو التحكم فيها للسيطرة الحكومية، كما في التجربة الشيوعية في البلدان التي طبقت النموذج السوفييتي. بدلا من ذلك، جذبت راسل ما يطلق عليه في فرنسا مذهب النقابية وفي إنجلترا الاشتراكية النقابية، وهو الرأي القائل بأنه ينبغي أن يتولى إدارة المصانع العمال العاملون فيها، وينبغي تنظيم الصناعات إلى نقابات. ومن المفترض أن تدفع هذه النقابات ضريبة للدولة في مقابل المواد الخام التي تستخدمها، على أن تتمتع من ناحية أخرى بحرية إعداد الأجور وظروف العمل وبيع منتجاتها. علاوة على ذلك، من المفترض أن تنتخب النقابات فيما بينها هيئة تشريعية، وأن ينتخب مستهلكو منتجات هذه النقابات مجلسا نيابيا، على أن تصبح الهيئتان معا هما الهيئة الوطنية التي تتمتع بسلطة عليا، وهي التي تحدد الضرائب وتقوم مقام أعلى محكمة في البلاد مهمتها الفصل في مصالح العمال والمستهلكين على حد سواء (الطريق إلى الحرية، ص91-92). ولضمان ألا يخل وجود النقابات بالحرية، ولا سيما حرية التعبير، اقترح راسل دفع أجر زهيد كحد أدنى للجميع بصرف النظر عما إذا كان الفرد يعمل أم لا، وذلك حتى يتمكن كل فرد من الاعتماد على نفسه إذا اختار ذلك. أما من يريدون الحصول على أجر يزيد عن أجر الحد الأدنى فمن المفترض أن يعملوا، وكلما زاد عملهم ازداد دخلهم. واستبعد راسل الانتقاد البديهي القائل بأنه سيصعب تنفيذ الخطة إذا اختار الناس ألا يعملوا - ومن ثم لن ينتجوا أي إيرادات ضريبية ومع ذلك سيطلبون الحصول على أجر الحد الأدنى المقرر لهم - وذلك بقوله إن معظمهم سينجذب إلى العمل بفعل حافز الثراء؛ ومن المفترض على أي حال أن تصبح ظروف العمل والحياة عموما أفضل في ظل الاشتراكية النقابية؛ لذلك لن يمانعوا في تقبل ذلك (المرجع السابق، ص119-120).
إن المبدأ الذي يقع في صلب موضوع الاشتراكية النقابية هو تفويض تلك السلعة السياسية الأساسية، ألا وهي «السلطة»؛ ففي رأي راسل، يؤدي تركيز السلطة - وخاصة تحت سيطرة الحكومة - إلى زيادة احتمال الحرب؛ ومن ثم فمن المستحسن نشرها بين الكثير من الجماعات والأفراد. «يجب أن تكون الجهة التي تتولى تنفيذ الأغراض الإيجابية المتطورة للدولة - بالإضافة إلى الحفاظ على النظام - ليست الدولة نفسها، بل بقدر الإمكان المنظمات المستقلة التي ينبغي تركها حرة تماما ما دامت ترضي الدولة من حيث عدم تقصيرها عن الوفاء بحد أدنى ضروري معين» (مبادئ إعادة البناء الاجتماعي، ص75). واستنبط راسل وجهة النظر هذه في وقت مبكر نسبيا في فكره السياسي، وظل مؤمنا بها من ذلك الحين فصاعدا. وفي كتاب «السلطة» أخذ يؤكد أنه ثمة ضرورة أكثر من أي وقت مضى تحتم اتخاذ إجراءات وقائية للحماية من الاستبداد الرسمي والدعاية السياسية الموجهة والشرطة، وهي العناصر التي قدم بشأنها الاقتراح الأصلي بوضع أمناء على الأمناء فعليا؛ ومفاده أن تتولى قوة شرطية تنفيذ المهام الاعتيادية مثل جمع الأدلة اللازمة لتوقيف من يفترض أنهم مجرمون ومحاكمتهم، فيما تتخصص الأخرى في جمع الأدلة التي تثبت براءة هؤلاء الأشخاص أنفسهم.
ومن الأفكار الملازمة لفكرة إلغاء المركزية في آراء راسل السياسية عداؤه للغلو في القومية؛ فقد هاجم القومية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية باعتبارها «فكرة سخيفة » و«أخطر نقيصة في عصرنا»، واعتبرها تهدد بالقضاء على أوروبا. وبعد الحرب العالمية الثانية رأى أنها تكرر نفسها في الاتحاد السوفييتي وأمريكا، فيما عدا أنها في هذه المرة - نظرا لأن كلتا الدولتين تمتلك أسلحة دمار شامل - كانت أخطر بكثير. وكان يؤكد أن العلاج الوحيد الموثوق للغلو في القومية والتهديد الذي تمثله هو الحكومة العالمية.
لا يبدو هذا الرأي في ظاهره متسقا مع آراء راسل المتعلقة بإلغاء المركزية، وكان يقر بخطر وضع القوة العسكرية تحت سيطرة سلطة عالمية واحدة. ولكنه كان يرى أن ذلك أفضل بكثير من اندلاع المزيد من الحروب العالمية التي من المحتمل أن تستخدم فيها أسلحة ذات قدرة تدميرية تزداد فتكا، مع احتمال تدمير الحياة على الأرض. كان هذا التصور يبدو لراسل شرا مريعا إلى حد جعله يرى أن أي شيء تقريبا أفضل منه. ولكن ليس من الضروري أن تكون الحكومة العالمية هي فقط أهون الشرور؛ فمن المفترض أن يكون من الوسائل الناجحة للحفاظ على درجة من السيطرة عليها تفويض مقدار السلطة نفسه - في كل الشئون فيما عدا الشئون العسكرية - إلى أصغر الوحدات المحلية. ومع ذلك، ففي النهاية، كما قال راسل:
سيكون لزاما على الدولة العالمية أو اتحاد الدول - إذا أردنا لها أن تنجح - أن تفصل في النزاعات، ليس بالأحكام القانونية التي من المفترض أن تطبقها محكمة جرائم الحرب في لاهاي، بل بقدر الإمكان على النحو نفسه الذي من المفترض أن تحسمه الحرب. وينبغي أن تكون وظيفة السلطة هي جعل الاحتكام للقوة أمرا غير ضروري، وعدم إصدار أي أحكام تناقض الأحكام التي من المحتمل التوصل إليها بالقوة. (مبادئ إعادة البناء الاجتماعي، ص66)
Página desconocida