Bertrand Russell: Una Introducción Muy Corta
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
لدينا أيضا حجة ثالثة تقول إنه لا بد من وجود إله كي يوجد مبرر للمثل الأخلاقية. ومع ذلك، فهذه الحجة لا تفيد؛ لأنه كما يؤكد راسل في مكان آخر بإيجاز، قائلا: «لطالما لقننا علماء اللاهوت أن الأحكام التي يقدرها الله خير، وأنه لا سبيل لإنكار صحة هذه الحقيقة؛ إذ يترتب على ذلك أن الخير مستقل منطقيا عن أحكام الله» (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص48). وربما نضيف أنه إذا اعتبرنا أن مشيئة الإله مبرر للمثل الأخلاقية، إذن يصبح السبب الذي يدفعنا إلى التحلي بالأخلاق هو الحذر من عواقب أفعالنا؛ إذ يكمن في الرغبة في الإفلات من العقاب. ولكن هذا المبرر ليس أبدا أساسا مقنعا لتقوم عليه الحياة الأخلاقية، والتهديدات ليست على أي حال مقدمات مقنعة «من الناحية المنطقية» لأي حجة.
وتقول حجة ذات صلة - استخدمها كانط - إنه لا بد من وجود إله لإثابة الفضيلة وعقاب الشر؛ لأنه يتضح لنا من التجربة أن الفضيلة في هذه الحياة لا تقابل دائما أو حتى كثيرا بالثواب. ولكن هذا - كما يقول راسل - أشبه بالقول إنه ما دام كل البرتقال الموجود أعلى صندوق الفاكهة فاسدا، فلا بد أن البرتقال الموجود تحته في الصندوق طيب؛ وهو استنتاج مناف للعقل.
يهاجم الكثيرون من مناهضي الدين الأثر المضر للدين في العالم باعتباره يتسبب في الاضطهاد والشقاق، ومع ذلك يرون أن المسيح شخصية جذابة، ولكن موقف راسل كان مختلفا؛ إذ كان يعتبره أقل لطفا ورأفة من بوذا وأدنى منزلة بكثير من سقراط فكرا وخلقا. ويرى راسل أن بعض تصرفاته غير لطيفة؛ فمثلا حين أذبل شجرة التين - ولم يكن ليفيد أن تصير الشجرة غير مثمرة، ما دامت في غير أوان التين - وهدد بإصابة من رفضوا أن يؤمنوا به بالكرب الأبدي. ولفت راسل إلى أنه على مدى قرون طويلة ظل الناس يلقنون أن يؤمنوا حرفيا بصحة هذه التحذيرات الوحشية، ما دام ذلك كان يخدم مصالح الكنيسة. ولكن حين أشار المنتقدون في عصر أكثر إنسانية إلى مدى قبحها، بدأت الكنيسة في تغيير موقفها بالقول إنه ينبغي فهم التحذيرات فهما مجازيا.
ولكن راسل كان يوجه معظم انتقاداته ضد المسيحية نفسها كظاهرة «منظمة». وكان يكره الإيمان بالمعتقدات الخرافية - «تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن القس يمكنه تحويل كسرة خبز إلى جسد المسيح ودمه بالتحدث إليها باللاتينية» - وسخفه المطبق؛ فمثلا «هم يأمروننا بألا نعمل في أيام السبت، ويفهم البروتستانت هذا على أن معناه أنه ليس لنا أن نلهو في أيام الآحاد.» يرى راسل أن المسيحية تتميز على الأديان الأخرى بميلها إلى الاضطهاد؛ فالمسيحيون ضايقوا وقتلوا المنشقين واليهود والملحدين وبعضهم بعضا؛ وأغرقوا آلاف البريئات وأحرقوهن وقتلوهن بطرق أخرى بتهمة «السحر»؛ وأزهقوا حياة مئات الملايين من البشر بناء على عقائدهم المنافية للعقل المتعلقة بالخطيئة والسلوك الجنسي.
استخدم راسل في حربه على الدين أسلحة تتألف غالبا من التهكم والازدراء. كان ملما بالكتاب المقدس على نحو يفوق الكثيرين من خصومه، وكان باستطاعته أن يفحمهم باقتباس مناسب؛ ومثال ذلك حين يقول - وهو يناقش المزايا المقارنة بين الدين والعلم - إن «الكتاب المقدس يخبرنا أن الأرنب الوحشي يمضغ الطعام المجتر»؛ مما يسبب صعوبات للأصوليين عند مواجهتهم بعلم الحيوان. وفعلا لم يكن التباين بين العلم والدين ليكون على نحو أشد وضوحا. يتناول الدين حقائق مطلقة ولا تقبل الجدل تظل سارية إلى الأبد؛ أما العلم فهو أشد حذرا وترددا. يفرض الدين قيودا على الفكر، ويحرم الاستقصاء حين يتعارض مع ما تسنه الكنيسة؛ أما العلم فيتسم بسعة الأفق (الدين والعلم، ص14-16). وهذه اختلافات لافتة؛ ففي مواجهة المنطق العلمي أفضل ما يستطيع الدين أن يفعله - حين لا يحاول أن يظل أصوليا على نحو متعنت - هو إعادة تفسير النصوص المقدسة بأسلوب مجازي، والتخفي خلف الادعاء بأن الحقائق الدينية تتخطى الفهم البشري.
ولكن مع أن راسل كان معاديا للدين، فقد كان رجلا متدينا، وهذا تناقض ظاهري فحسب؛ فمن الجائز أن يكون للمرء موقف متدين للحياة دون الإيمان بوجود كائنات وأحداث خارقة للطبيعة. وفي هذا الموقف يؤدي تذوق الفن والحب والمعرفة إلى تعضيد الروح الإنسانية، وينطوي على شعور بالإجلال حيال العالم وأحبائنا، وينطوي كذلك على شعور مصاحب من الرحابة التي يكون المرء جزءا منها. وفي مقال شهير وإن كان يتسم بأسلوب متكلف - بعنوان «عبادة الإنسان الحر» - كتبه راسل تحت تأثير فشل زواجه الأول وما صاحب ذلك من تغيرات في نظرته للأمور، يعرض هذه الرؤية بعينها. ولكن كلماته تحمل بعض التحفظات المبهمة إذ يقول:
حين يتضح في البداية تعارض الوقائع والمثل العليا، يصبح من الحتمي التحلي بروح يفيض بالتمرد الناري وبكراهية جارفة للآلهة للدفاع عن الحرية. فأن نتحدى عالما معاديا بإخلاص كإخلاص بروميثيوس وأن نراقب شروره دوما، ونظل نكرهه دوما، وأن نرفض الألم الذي قد ينزله أذى السلطة المتعمد؛ هو فيما يبدو واجب كل من يرفضون الاستسلام للمحتوم. ولكن السخط ما زال قيدا، إذ يجبر أفكارنا على الانشغال بعالم خبيث؛ وفي خضم ضراوة الرغبة التي ينبع منها التمرد يوجد نوع من توكيد الذات الذي يجب على الحكماء التغلب عليه؛ فالسخط هو خضوع أفكارنا ولكن ليس رغباتنا؛ والحرية المنزهة عن الانفعال بالفرح أو الترح التي تكمن فيها الحكمة نجدها في خضوع رغباتنا، وليس أفكارنا. وتنشأ من خضوع رغباتنا فضيلة التسليم بالقضاء؛ وينشأ من حرية أفكارنا عالم الفن والفلسفة بأكمله، والقدرة على رؤية الجمال الذي من خلاله نتمكن من استعادة العالم النافر. (مقال «عبادة الإنسان الحر»، 1903، أعيد طبعه في كتاب «التصوف والمنطق»)
وكما يتضح، كان راسل يرى دائما أن التوق إلى السمو - لحلم الفيلسوف سبينوزا بفهم واضح ونزيه وشامل تماما لكل الأشياء التي من شأنها أن تحرر المرء - تلطفه الوقائع القاسية للمعاناة في العالم. وفي ديباجة سيرته الذاتية يكتب قائلا: كان الحب والمعرفة - بقدر توافرهما - يرفعانني إلى سماء الفردوس. ولكن الشفقة دائما ما كانت تعيدني إلى الأرض. ومن ثم، كان راسل يتوق بأسلوبه اللاأدري إلى الفردوس، وسعى إلى اكتشاف السبل التي من شأنها أن تقود البشر إلى هناك.
التعليم
كان راسل يأمل أن يكون أهم تلك السبل هو التعليم، الذي كان يرى أنه يتناول السؤال المتعلق بالكيفية التي ينبغي بها إعداد البشر للحياة. ولم يتناول راسل التفاصيل الإدارية المتعلقة بإعداد المدارس والجامعات وتدريب المعلمين - مثلما كان من الممكن أن يفعل سيدني وبياتريس ويب - ولكنه تحدث بدلا من ذلك عما قد نسميه الأهداف الروحية (بمعنى علماني) للتعليم. وكتب راسل أن ما يهدف إليه التعليم هو بناء الخلق؛ وأن أفضل خلق هو الحيوية والشجاعة ورهافة الحس والذكاء، على أن تكون كلها «بأعلى مرتبة». وهكذا يعبر عن الموضوع في كتاب «عن التعليم»، الذي نشر في عام 1926، وذلك قبل أن يؤسس هو ودورا مدرسة بيكون هيل بعام واحد. ويتناول هذا الكتاب أساسا سنوات الطفولة المبكرة، ويقر راسل في سيرته الذاتية أنه كان «مفرطا في التفاؤل حيال علم النفس»، وأنه كان أيضا في بعض النواحي «مفرطا في القسوة» في المناهج التي اقترحها. ومن أمثلة ذلك وجهة النظر - التي اتخذها من مبادئ مونتيسوري - القائلة بأنه إذا كان أحد الأطفال سيئ السلوك فينبغي فصله عن غيره من الأطفال حتى يتعلم أن يصبح صالحا. وبات راسل يرى لاحقا أن هذا نمط قاس من قواعد ضبط السلوك.
Página desconocida