Bertrand Russell: Una Introducción Muy Corta
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
الأخلاق النظرية
يتضح من الفكر المبكر لراسل عن الأخلاق أنه كان يؤمن بوجهة النظر الرومانتيكية الهيجلية القائلة بأن الكون خير في حد ذاته وأنه هدف مناسب «للمحبة الفكرية». وكان ماك تاجارت هو من أوحى له بقبول وجهة النظر هذه، ولكنها لم تسيطر عليه لمدة طويلة. وتوضح أول مناقشة جادة للقضايا الأخلاقية يتصدى لها راسل - وعرضها في بحثه المعنون «عناصر الأخلاق» ونشره في عام 1910 - أنه يتبع التعاليم الواردة في كتاب «المبادئ الأخلاقية» من تأليف جي إي مور، ويؤكد فيه مور أن الصلاح خاصية غير قابلة للتعريف وغير قابلة للتحليل ولكنها خاصية موضوعية لوصف الأشياء والأفعال والبشر، وأننا ندرك الصلاح عن طريق فعل قائم على حدس أخلاقي مباشر. كان مور يؤمن بشكل من أشكال مذهب النفعية، ويمكن إيجازه بأنه وجهة النظر القائلة بأن الصواب الذي نفعله في أي حالة معينة هو أي فعل من شأنه أن يؤدي إلى زيادة نسبة الخير على الشر في تلك الحالة. وأثرت آراء مور في أعضاء جماعة بلومزبري، وخصوصا في تعزيز الفكرة الجذابة القائلة بأن الصداقة والاستمتاع بالجمال هما أسمى القيم الأخلاقية. (ادعى الخبثاء ممن انتقدوا الفكرة أن أعضاء جماعة بلومزبري أعجبتهم وجهة النظر هذه لأنها أتاحت لهم فرصة التوفير - إذا جاز التعبير - بأن يكون لديهم أصدقاء يتميزون بالجمال.)
تطرح الصعوبات نفسها على الفور فيما يتصل بوجهة النظر النفعية. ومن بين هذه الصعوبات أنه يتعذر علينا معرفة العواقب المترتبة على التصرف بطريقة معينة بدلا من طريقة أخرى؛ ومن ثم قد نتسبب دون قصد في عواقب سيئة كنتيجة للتفكير المضطرب أو الأفكار الحدسية الكاذبة. ويقر راسل بهذا في رؤيته لوجهة نظر مور، ولكنه يؤكد أننا نكون قد تصرفنا تصرفا صحيحا حين نشعر بالرضا؛ لأننا أمعنا التفكير في الأمور بعناية، وبذلنا كل ما في وسعنا باستخدام المعلومات المتاحة. ومع ذلك، الادعاء بأن الصلاح أمر موضوعي هو أمر مختلف، ولم يستطع راسل أن يشعر بالرضا عن وجهة النظر هذه لمدة طويلة، فمع أنها - إن شئنا الدقة - ربما يتعذر دحضها، فلا يمكن إثبات صحتها كذلك، وخصوصا في مواجهة شخص يختلف بلا مواربة مع الفكرة الحدسية التي أعلنها غيره، والقائلة بأن الصلاح موجود في فعل بعينه أو موقف بعينه.
دفعت هذه الصعوبة راسل إلى اتخاذ وجهة النظر - التي عبر عنها في كتاب «موجز للفلسفة» (1927) - القائلة بأن الأحكام الأخلاقية ليست موضوعية - بمعنى أنها ليست صحيحة ولا كاذبة - بل إنها جمل دالة على أمر أو جمل دالة على التمني أو جمل دالة على الموقف. والجملة الدالة على الأمر هي أمر، مثل «لا تكذب.» والجملة الدالة على التمني عبارة عن خيار أو أمنية - كما يختار المرء شيئا بدلا من شيء آخر - في الحالة الأخلاقية ترمز إليها جملة «ليت لا أحد يكذب.» أما جملة «أرفض الكذب» فهي قول معبر عن موقف قائلها من الكذب. ومن الواضح أن الجمل الدالة على الأمر والجمل الدالة على التمني تفتقر إلى قيمة الصواب. ومع أن الأمر يكون بخلاف ذلك فيما يتعلق بالأقوال المعبرة عن الموقف، فهذا فقط لأنها عبارة عن أوصاف للحقيقة النفسية ذات الصلة الخاصة بقائليها؛ فلا يقال شيء صادق أو كاذب عن القيمة الأخلاقية للكذب، فما يقال يتعلق فقط برأي القائل في الكذب.
ربما يطلق على هذا الرأي - في مقابل «الموضوعية» التي كان يؤمن بها مور - «الذاتانية». وهذا المذهب يتسم بمشكلات جسيمة هو الآخر، وأهمها أنه منفر بدرجة كبيرة. فلنتأمل مثلا جريمة المحرقة النازية. فمن غير المقبول القول بأن مبرر المرء للحكم أن المحرقة النازية شر هو أنه يستنكرها فقط. شعر راسل بهذه الصعوبة بشدة؛ ولذلك حاول في مناقشته الأخيرة والمستفيضة لهذه القضايا (في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة») أن يصل إلى موقف يمثل حلا وسطا بين الموضوعية والذاتانية يحتفظ بالمميزات ولكن يتجنب الصعوبات الموجودة في وجهتي النظر كلتيهما.
ويؤكد راسل في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» أن الأحكام الأخلاقية هي في الواقع تتعلق بخير المجتمع وأفراده. وهذه الأحكام تشمل أو تعبر عن الشعور السائد إلى حد ما في مجتمع معين حيال ما يصب عموما في مصلحة الجميع. وهذا موضوع من الممكن أن تدور حوله مناقشة عاقلة بناء على فهم علمي أو على الأقل منطقي للعالم. وكثيرا ما كاد راسل يفقد هذا الإيمان بإمكانية الحلول المنطقية للمعضلات الأخلاقية حين كان يتأمل حماقة الإنسان، ولكنه مع ذلك ظل يتمسك به.
يقول راسل إن البيانات الأساسية للأخلاق هي المشاعر والانفعالات. ووفقا لذلك فإن الأحكام الأخلاقية هي عبارة عن مشاعر متخفية تعبر عن آمالنا أو مخاوفنا أو رغباتنا أو الأشياء التي نكرهها؛ فنحن نحكم على الأشياء بأنها صالحة حين تلبي رغباتنا؛ ومن ثم فإن الخير العام - أي خير المجتمع ككل - يكمن في تلبية الرغبة تلبية كاملة، بصرف النظر عمن يتمتع بها. وعلى المنوال نفسه يكمن خير أي قسم من المجتمع في تلبية رغبات أفراده تلبية كاملة، ويكمن خير الفرد في تلبية رغباته الشخصية. وعلى هذا الأساس يمكن تعريف التصرف الصائب بالقول إنه أي شيء - في أي مناسبة معينة - من المرجح أن يؤدي إلى الخير العام (أو إذا كان يتعلق بفرد واحد فحسب، خير الفرد)؛ وهذا بدوره يمنحنا تفسيرا للواجب الأخلاقي، فكرة أنه يوجد أشياء «يجب» أن يفعلها المرء؛ وهو أنه يجب على المرء أن يفعل التصرف الصائب حسب هذا الفهم (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص25، 51، 60، 72).
يقر راسل بالطبع بوجود مشكلات في هذا الوصف، ويناقش عددا منها. فعلى سبيل المثال: يتسبب تعريف «الخير» بأنه «تلبية للرغبة» في توجيه انتقاد منطقي بأن بعض الرغبات شر، وأن تلبيتها شر أسوأ. ويتأمل راسل مثال القسوة. هل من الممكن أن يكون من الخير أن يتمنى شخص ما أن يتسبب في معاناة شخص آخر؟ وأليس من الأسوأ أن ينجح في تنفيذ أمنيته؟ يقول راسل إن تعريفه لا يقتضي ضمنا أن مثل هذه المواقف من قبيل الخير؛ أولا: لأن ذلك يتضمن إحباط رغبات الضحية؛ لأن الضحية بالطبع ترغب في تجنب المعاناة على أيدي المتسبب فيها، وثانيا: لأن المجتمع ككل لا يريد عموما أن يقع أفراده ضحايا للقسوة، وسيؤدي ذلك إلى إحباط رغباته أيضا في هذا الصدد؛ ومن ثم سيؤدي ذلك إلى زيادة هائلة في الرغبات غير المحققة عند ارتكاب فعل يتسم بالقسوة؛ مما يجعل ذلك الفعل سيئا.
ومن الصعوبات الأخرى التي يتسم بها الوصف الذي يقدمه راسل أن الرغبات قد تتعارض. ويجيب راسل عن ذلك بقوله إن هذا يتطلب منا أن نختار الرغبات التي يقل احتمال تنافسها بعضها مع بعض. ويستعير راسل مصطلحا فنيا من لايبنتس، فيطلق على الاتساق بين الرغبات أنه «التوافق» بينها. إذن يمكن تعريف الرغبات الصالحة والسيئة على أنها الرغبات المتوافقة - بالترتيب - مع أكبر عدد وأقل عدد ممكن من الرغبات الأخرى.
يخصص راسل فصلا يناقش فيه السؤال المتعلق بما إذا كانت الأحكام مثل «القسوة خاطئة» ليست إلا تعبيرات متخفية تعبر عن موقف ذاتي. وكما سبق وذكرنا، هذا السؤال مهم، وقد أزعج راسل بشدة. وتوصل راسل إلى ما قد يطلق عليه إجابته المبنية على علم الاجتماع - أن القيمة الأخلاقية هي نتاج نوع من الإجماع الاجتماعي - بعد دراسة في الاحتمالات البديلة التي تقدمها المناقشة الأخلاقية.
Página desconocida