قال المحامي بصوت أخفض درجة: تلويح بالصلح! - صلح!
لفظها كذبابة، فقال المحامي: سوف تحترم شروطك بطبيعة الحال. - ولو! - وهو على أي حال ابن عمك. - هذا مبرر للعداوة. - أهذا هو رأيك الأخير؟ - حتى النهاية.
وذهب إلى مكتبه بالوزارة، ثم طلب في التليفون رقما. - آلو .. علي؟ .. صباح الخير. - ... - عندي لك خبر مهم جدا. - ... - اقرأ غدا صحيفة الكوكب. - ... - نسيم البحيري قضي عليه إلى الأبد.
وضحك طويلا حتى ارتجت لضحكه أركان الحجرة الكبيرة الصامتة. واستقبل مدير مكتبه الذي عرض عليه البريد وبعض الموضوعات العاجلة. وجاء على أثره علي كامل فتبادلا الآراء في مسائل شتى، ووجهاهما يعكسان برودا سافرا. وعندما وقف علي كامل استعدادا للذهاب سأله كريم بدافع شيطاني مباغت: كيف الصحة؟
فأجاب الآخر فيما يشبه التحدي: لم تكن شراييني في وقت من الأوقات خيرا مما هي الآن.
عنيد، مكابر، كذاب. وجهك الشاحب المتغضن يفضحك. وعما قليل ستعتذر عن تخلفك الاضطراري عن اجتماعات المساء. علي كامل، البحيري، الدسوقي، وعشرات غيرهم. كائنات نخرها السوس فلم يبق منها إلا على عناد وحقد. أنت بحاجة إلى مدفع سريع الطلقات لتطهر منهم الحياة. وسوف تنتصر كما انتصرت دوما. حياتك سلسلة من المعارك متوجة بالانتصار. في ذلك متعتك وكرامتك في الحكومة أو النادي أو القرية. منذ نشأتك الأولى وأنت مناضل كأنك تعيش في حلبة ملاكمة. النضال هو روح الحياة وسرها، أما القيم المعسولة الخرعة فهي آفات الحياة. والرجال يضمرون لك إعجابا لا حد له، وإن رددت ألسنتهم خلاف ذلك فعن خوف أو حسد. حتى الوزير نفسه استدعاه يوما وقال له: يا سيد كريم، لماذا تثير الزوابع دائما؟
فتساءل بأدب واعتزاز معا: سيدي الوزير، هل أنا رجل صالح للعمل؟ - لم أطعن في ذلك أبدا. - ونظافتي؟ - على خير ما يرجى. - وعند الخلاف مع الآخرين، أين تجد سيادتكم الحق؟ - ولكنك تغالي في العنف، حتى لينقلب الوضع، فكأن الحق مع خصمك. - هكذا خلقني الله!
فقال الرجل بنبرة لم تخل من ضجر: حتى العنف في الحق يجب أن يقف عند حد.
وعند الظهر رأس اللجنة المالية. وتفانى في العمل كعادته فلم يبال بالوقت. ومرت ساعتان عقب وقت الغداء وهو يختلس من حين لآخر النظر إلى الوجوه المتعبة المتألمة، ويتربص بكلمة تذمر أو شكوى. وفي صدره لعبت عواطف ماكرة كشقاوة الأطفال. ولما أشبع طاقته في العمل والتعذيب فض الجلسة. واتصل بزوجته بالتليفون فسألها عن الولد: لا بأس به، ولكني استدعيت الطبيب لأن الحرارة لا تريد أن تنخفض. - بخير إن شاء الله، لن أعود قبل العاشرة مساء؛ بسبب العمل.
وفكر في مسألة مرض الأطفال وهو يتناول غداءه بالنادي. قال: إن الأطفال ما كان يجب أن يمرضوا على الإطلاق. المرض - إذا لم يكن منه بد - فهو ظاهرة تطرأ على الجهاز البشري عقب طعونه في السن، أما الطفل فلا يمرض إلا لخلل في الكون. وقد كان - هو - سليما عند الزواج، كما كانت كذلك درية زوجته، وولد رمزي آية في الصحة والجمال، فما معنى المرض إذن؟
Página desconocida