فمال إلى اليمين قائلا: «لنكن من أهل اليمين.» سارا في نفق مستقيم مضاء بفانوس يتدلى من السقف، فانتهيا إلى حجرة مستطيلة بها منفذان غير المنفذ الذي دخلا منه، ووجدا بها بضعة أفراد وكان أحدهم يقول: هلكت من التعب.
فصاح آخر: الظاهر أننا لن نخرج إلى سطح الأرض مرة أخرى.
اتجه بها نحو المنفذ الأيمن، فسارا في ممر بدأ ضيقا، ثم أخذ في الاتساع حتى اعترضته ثلاثة أبواب.
قلب عينيه بينها، فقرأ على أوسطها بالقلم الرصاص «ادخل من هنا فإنه مجرب»، فتمتم: دعابة ماكرة لأحد اللاعبين، على اللاعب هنا أن يعتمد على نفسه. - لم تختار بابا دون آخر؟ - العبرة بالتجربة. - ولكن سنبدد وقت الفسحة. - أليست حجرة جحا ضمن الفسحة؟
مرقا من الباب الأيمن إلى ممر قصير، أوصلهما إلى ميدان مسقوف تتعدد الأبواب على محيط دائرته، وتكتظ ساحته بالنساء والرجال. قهقه البعض وعبست وجوه في نرفزة حقيقية. وقال رجل: لو أن أحدنا أصابه مكروه فهل يترك حتى يموت؟ - لم لا يوجد مندوبون عن الإدارة لتقديم المساعدة عند الضرورة؟ - هل ننادي أحد المسئولين؟ - نادى كثيرون ولا مجيب.
دخل حسن من أحد الأبواب، فتخبطا طويلا من حجرة إلى ممر، ومن ممر إلى سرداب، ومن سرداب إلى نفق، وتيار الحائرين يصادفهم في شتى الاتجاهات. ولم ينقطع لحظة واحدة عن الضحك أو الغضب أو التعليقات. وتوقفت سعاد وهي تقول في رجاء: لنرجع.
فضحك قائلا: ماذا يعني الرجوع أو ماذا يعني التقدم؟ .. نحن نسير فحسب. - ألا تذكر من أين أتيت؟ - كلا. - وطبعا لا تدري أين تذهب! - هذا واضح.
وهي تتنهد: تعبت وضجرت. - نحن معا وفي هذا ما يكفي. - ألا تسمع أصوات الغيظ؟ - وأصوات الضحك؟ - سنتخبط حتى موعد الإغلاق.
سر اللعبة لا يمكن أن يعرف في أول جولة، فليس أمامنا إلا أن نجرب حظنا.
واستأنفا السير والتخبط، وتجربة أبواب لا حصر لها، وأنفاق وسراديب لا تنتهي. واشتكت أصابع قدميها، فحذرته من الاضطرار إلى حملها بين ذراعيه. وزادت جزعا عندما رأت رجلا قد اقتعد الأرض يائسا، في انتظار أن ينتشله رجل من الإدارة عند موعد الإغلاق. وطال بهما اللف والدوران والتخبط حتى تجهم الوقت، ثم دفعا بابا بحركة روتينية ميكانيكية، فإذا بباب الخروج يطالعهما. قام الباب على مبعدة ثلاثة أمتار بهيجا رقيقا مضيئا محبوبا، وتبدت ساحة لونابارك من خلاله سابحة في الأنوار والأنغام. غادرا حجرة جحا وهما يتصببان عرقا، فذهبا إلى حديقة مشرب الجعة وطلبا بيرة. وضعت صندوق العروس على كرسي جنب حقيبتها، وسلتت قدميها من الحذاء، وراحت تقبض أصابع قدميها المخضبة، وتبسطها وهي تلحظه بعتاب. وبمجرد أن استقر الشراب في بطنه دار رأسه، وتفاعل النبيذ والبيرة بحال غير ودية.
Página desconocida