قاتلت، بعد أسبوع ظفرت بأول بارقة، انتعش الأمل، استمت، تخلوا عن الوعود الكاذبة والصهينة وبدأ الضيق، إلحاح آخر، حمر العيون وبالوعيد جاءوا، اسمع، خميرة عكننة مش عايزين، وحسابنا في الآخرة نحن عارفين، والحساب يجمع، بأدبك أهلا وسهلا، تدوشنا تاني أنت واللي يصح لك، وبالسليقة عرفت أنهم صادقون، في أعماقهم أيضا صادقون، يرغبون الله حقا وفي أعماقهم مؤمنون، ولكن الحياة، حياتهم، لا تحتمل الله الكامل، إما أن يقبلهم هكذا، وهكذا يعبدونه وإما فلا، لهم دينهم حقا، الصلاة فيه ركعتا جمعة كل أسبوع، والنهار صيام في رمضان، هذا صحيح، ولكن المهم أن من الفطار إلى السحور حشيش، وأيمان بالله ما هو حرام، اديني آية نزلت تحرمه، الزكاة معظم أغنيائهم يخرجونها فعلا، بل إن أحدهم كان عينيا كما أمر الدين، ومن «بضاعته» كان يزكي، والحج تاج على رءوس كبار المعلمين وعلى الأقل يتيح القسم ساعة الصفقات بشباك الرسول. كسبت منهم بالكاد خمسة وخسرت الثقة بأني خير مبشر ومبين، ثم أدركت أن الخطأ خطئي، وأني قبل أن أهديهم لا بد أعرفهم، أحياهم لأغيرهم، أصبح منهم ليصبحوا منى. إن لهم لغة أخرى وقيما أخرى ومفاتيح خاصة بغيرها تبقي دائما خارج السور والصدور، ومن العزلة هبطت، إلى القهاوي أجلس، إلى الداعين أزور، لا أدير الوجه لما يحملون أو يدخنون أو يفعلون، بقلبي معهم أرى وأسمع وأقترب.
أكان لا بد يا «لي لي»، أكان لا بد؟!
أم أنه لا بد هي أو غيرها لا بد، لم أكن قد عرفت أن العفة مغرية إلى هذا الحد، ولا طرأ بعقلي أني رغم حب الله شاب في الخامسة والعشرين، أنا متبتل، سعيد حتى بالحي الذي كان قاطنوه القدامى من طوائف «الباطنية» قد اعتزلوا بالحي دنياهم، ربما نفس عزلة سكانه الحاليين، في «قعداتهم» نفس التأمل، الفرق أنهم يتأملون ما يضحك، بينما الباطنيون الأول كانوا يتأملون ما يحب، وما يقود إلى ينبوع الحب، الله.
لم أفطن إلا بعد أن تعددت الظواهر، وإلا بعد أن لاحت علامات رغم كل حسن النية، لا تقبل الشك، قرأت لهم مرة فأعجبهم صوتي واستعادوني، وأحسست فجأة أني دخلت قلوبهم، وأن المغلوقين يفتحون الأبواب، ولم يعودوا يريدون مني إلا الصوت والتلاوة، رفضوا الواعظ والمبشر والإمام، ولم يعد أمامي إلا صوتي يجذبهم لما أريد. الله المجرد صعب، ولتكن البداية على هدى آية من آياته.
السميعة بقربي دائما رجال، ولم أكن أعرف أن أعداد النساء خلفهم أكبر! وأني ما أن أبدأ أقرأ حتى يشيع الخبر في الحي كالومضة، وكالومضة يتزاحمن، ومن صدورهن تتصاعد مع وقفاتي الآهات. متاعب بدأت، في كل أوبة للمسجد لا بد من حرمة منتظرة، ولا بد من سؤال، أو حجة سؤال، عيني أبدا ما ارتفعت، أسعد باقتناعهن، وأستبشر، الصلاة بين النساء بدأت، وهن اللاتي بدأن يحببن للرجال الصلاة، سؤال زلزل كياني مرة، من شابة كان. الأقدام التي تسمرت عيني عليها كانت بالقطع شابة، المشكلة تبوح بها في تردد، ثم بلا خجل تنطق. الزوج كف من شهور عن معاشرتها! ولا فائدة؛ فإدمانه السبب، وإدمانه ميئوس، ومحاولاتها فشلت، وتخاف الفتنة، ماذا تفعل؟
بل الأكثر، لم تعد هناك أسئلة، كلها أصبحت اعترافات، ماذا أفعل وقد راودني الصبي عن نفسي حين أرسله المعلم بالخضار وغلبني الشيطان؟ ماذا أفعل وقد حلمت بك يا مولانا؟
ماذا أفعل وأخي يأتي عميان من سهراته، ومهما فعلت لا يسكت حتى أذعن، وكل ليلة أذعن، وأريد أن أتوب؟ أتقبل من مثلي التوبة؟ على يديك أتوب، وتمسك بيدي إمساكة لا توبة فيها ولا رادع.
الشيطان.
هؤلاء أناس انفرد بهم الشيطان طويلا وكثيرا.
ولم يعودوا يعرفون طريقا آخر إلا طريق الضلال.
Página desconocida