كانت نحيلة، متوسطة الطول، في أواخر العشرينيات، ترتدي بزة من الجينز. ومدت إلي راحة خشنة ضغطت بها على يدي في قوة تشي بالجدية، بينما كنت أتطلع في عينين جميلتين تميلان إلى الخضرة، ووجه شاحب ينطق بسوء التغذية أو الإرهاق والتوتر العصبي.
قالت وهي تتقدمنا إلى غرفة جانبية تصدرتها مائدة المافيولا التي تجرى عليها عمليات المونتاج السينمائي: للأسف لم أتمكن من احتجاز صالة عرض. لكنك ستتمكن من تكوين فكرة عن الفيلم من المافيولا.
كان هناك شاب ذو سوالف طويلة يجلس إلى المائدة، أمام لوحة من الزجاج المصنفر تعلو مصباحا صغيرا، وتحيط بها عدة عجلات، حملت إحداها شريط الصورة الأسود، وحملت ثانية شريط الصوت البني.
جلست أنا ووديع على مقعدين متجاورين خلف الشاب. وانحنت أنطوانيت فوقه تتابع يديه وهما تضمان الشريطين إلى بعض، وتثبتهما فوق الأسنان المزدوجة لجهاز التزامن.
أطفأت مصباح الغرفة، فساد الظلام عدا الضوء الخفيف المنبعث من المائدة.
ولمس الشاب بيده إحدى العجلات، فتحرك الشريطان المتطابقان، وتسللت إلى أسماعنا حشرجة موسيقية، بينما تتابعت اللقطات على الشاشة الصغيرة.
كانت الكادرات الأولى معتمة، وتبعتها أخرى مشوهة بعلامات شطب ودوائر، ثم ظهر عنوان كبير في منتصف الكادر عليه علامة شطب:
ماذا حدث للبنان؟
وتتابعت لقطات للقرى ولشوارع بيروت بأحيائه الغنية والفقيرة، ولواجهات الحوانيت وملصقات الجدران وإعلانات التليفزيون وصور الزعماء. وتردد صوت فيروز الساحر في أكثر من أغنية. وأخيرا ظهر العنوان الكبير مرة أخرى:
ماذا حدث للبنان؟
Página desconocida