1
فتشوني مرتين؛ الأولى عند الحاجز الجمركي، والثانية أمام البوابة المؤدية إلى أرض المطار. وبين الاثنتين مررت أنا وحقيبة يدي الجلدية من دائرة تليفزيونية وبوابة إلكترونية. وكان في انتظاري واحد منهم على باب الطائرة، جاس بيديه أسفل إبطي وبين فخذي وداخل كل من حقيبة يدي وكيس السوق الحرة. وأخيرا سمح لي بولوج الطائرة.
توقفت بجوار أول مقعد فارغ صادفني، فأودعت الكيس بالخزانة المعدنية المثبتة في السقف، وجلست بعد أن وضعت الحقيبة على الأرض، بين قدمي.
فصلني مقعد فارغ عن كرة زجاجية انسابت منها شمس العصاري الواهنة، وبدت من خلالها اللافتة الضخمة التي تعلن عن ميناء القاهرة الجوي. استرخيت في مقعدي ومددت ساقي أسفل المقعد الأمامي. ولم ألبث أن أزحتهما جانبا مفسحا الطريق لراكب في جلباب أبيض سابغ استقر إلى جواري. ولمحت بركن عيني «الغطرة» السعودية تتدلى فوق كتفيه.
سمعته يزفر بشدة موجها الحديث إلي: يعاملون الواحد كأنه إرهابي أو فدائي.
انهمكت في تثبيت حزام المقعد إلى وسطي، ولم أعبأ بالرد عليه.
امتلأت الطائرة بعد لحظات، وانتشرت في أرجائها الجلاليب والملابس الريفية الثقيلة، تعلوها وجوه سمراء ناطقة بالرهبة والقلق، والتقطت عيناي البعض ممن ارتدوا ملابس أوروبية أنيقة، وأخفوا عيونهم خلف نظارات شمسية داكنة، واستقرت فوق ركبهم حقائب السامسونايت المحكمة. وكان ثمة نساء قليلات، كشف بعضهن عن أذرع بضة تحمل حقائب يد أشبه بصناديق الأحذية أو المجوهرات. ولم تكن بينهن فلاحة واحدة.
ارتفعت الطائرة أخيرا، فختم جاري الابتهالات التي كان يغمغم بها في صوت مسموع. وبعد قليل غاب الضوء عن الإشارة التي تطلب الامتناع عن التدخين، وجاءنا صوت قائد الطائرة مقدما نفسه، معينا السرعة والارتفاع، والمسافة الزمنية التي تفصلنا عن بيروت.
فككت حزام المقعد، وأخرجت علبة سجائري المصرية من جيبي، وأشعلت واحدة. اكتشفت من أول نفس أن الدخان يتسرب من ثقوب عديدة بها، فأطفأتها في منفضة المقعد. وقررت أن أؤجل التدخين بعض الوقت، مقللا من احتمالات الإصابة بالسرطان.
خاطبني جاري كأنما يواصل حديثا بيننا: ألم تنته الحرب من سنتين؟ لماذا إذن هذه الإجراءات؟
Página desconocida