شعرت بوديع وأنطوانيت يتبادلان النظرات. وهمست أنطوانيت في أذني: شو القصة؟
لم أرد عليها واسترسلت في البكاء.
حلت فترة راحة بعد قليل، فجففت دموعي، وغادرنا القاعة إلى حديقة الجامعة لندخن. وذكرني وديع بأيام الجامعة، فعادت الدموع تسيل من عيني رغما عني.
أحاطني بذراعه، وجعل يربت على كتفي. ولم تلبث السكينة أن دبت إلي، وجفت دموعي. وتمكنت من السيطرة على نفسي بقية الحفل.
صفق الجمهور طويلا عندما انتهى البرنامج. وأعادت الفرقة بعض أغانيها، ثم غادرنا مقاعدنا أخيرا، وتحركنا في بطء نحو الباب. كان الجميع ينقلون أقدامهم في عناء، كأنما يكرهون العودة إلى منازلهم.
استعادت أنطوانيت مسدسها وغادرنا القاعة. ولم نكد نخطو في الطريق حتى سمعنا صوت أعيرة نارية بالقرب منا.
تصاعدت صيحات من أماكن مختلفة، وجرى البعض، وأشهر آخرون مسدساتهم.
هتف وديع: نجري.
خلعت أنطوانيت حذاءها، وأمسكته هو والحقيبة بيد، وحملت المسدس في يدها الأخرى. وانطلقنا نجري في الظلام وهي ترشدنا إلى الطرقات التي تبعدنا عن المنطقة.
لم يتكرر صوت الرصاص؛ فأبطأنا من سرعتنا، وتوقفنا أخيرا ونحن نلهث. وأتانا صوت سيارة مسرعة مقبلة خلفنا، فاحتمينا بالحائط. ومرقت من أمامنا سيارة جيب عسكرية مغلقة من كافة الجوانب. وتابعنا كشافيها المبهرين وهما يتراقصان على جدران المنازل، ويسقطان فوق ملصق قديم يحمل صورة جمال عبد الناصر الشهيرة، التي يبدو فيها حزينا، كسيف البال، عقب الهزيمة مباشرة.
Página desconocida