وأعجبته حكايات الضيوف الثقلاء، فروى لها واحدة جديدة كانت تعقبها بضحكاتها الصافية: مرض غزال وجاء أصحابه من الوحوش يزورونه، يأكلون عشبه وحشيشه، ولما صحا لم يجد شيئا، فقال: آدي الضيوف وبلاويها.
وبادرته بدورها بحكاية جنوبية: اصطاد كلب أرنبا ومضى يعضه بقوة ويعود يلحس دمه في حنان، فقال له الأرنب: تعضني كأنك عدوي، وتقبلني كأنك حبيبي!
وبدلا من أن يضحك المهاجر كالعادة عقب كل مأثورة وحكاية فشر، ابتسم، إلا أن ابتسامته توارت حين سمعها تهمس في أذنه: «حبيبي» إلى حد أن عاوده الاكتئاب.
استدار مسرعا كشاب منفصلا عنها.
وحين تمالك نفسه مستديرا باتجاهها، هاله أنها منكسة كمن ارتكبت ذنبا: بل راحت تعبث بعينيها فيما يصل أعلى ركبتها من زهور برية، من تلك التي لا وطن لها، وفي معظم الأحيان تتخذ من الأرض المهجورة الصلدة منبتا لها؛ لتزهو ببراعمها حمراء قانية تتخللها النقاط السوداء الفاحمة.
قطفت ثلاث زهرات برية رشقتها في صدره.
حتى إذا ما دلفا جنبا إلى جنب إلى داخل العنبر، بدا وكأنما هما يخطوان على إيقاعات مارش محبب.
تطلعت إليهما معظم عيون المرضى والجرحى، لكن أين هم؟ لقد قاموا جميعهم هاجرين سرايرهم، يتزاورون ويتحلقون في ممشى الطرقات الرئيسية التي تفصل ما بين الأسرة، يتبادلون اللفائف والبيرة والسفن أب.
وتعرف هو من فوره رغم الكمامات على أكثر من باحث زميل، وفتيات العلاقات العامة الثلاث، وشبيهة لعالية، بل والعالية وأختها حين قدمتا لزيارة النزيلة المشابهة.
انحنى ليسمع تعليق فتاة الجنوب التي كانت ساعتها تضغط يده: غريبة دول زينا.
Página desconocida