Entre mareas y corrientes: Páginas sobre lenguaje, literatura, arte y civilización
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Géneros
لقد أضيف إلى الأحاديث المزعجة التي ملأت أندية القاهرة في هذه الأيام موضوع لطيف لم تألفه بعد اجتماعاتنا، موضوع الفنون الجميلة، وذلك بفضل المستر ستيورت الذي عرض رسومه المصرية، وفضل إخواننا الأقباط الذين أقاموا قبله معرضا كشف لنا عن أمر جهلناه.
وإني لأستغفر عما خالجني من الشكوك؛ فإني دخلت القاعة وفي نفسي ارتياب كثير وأمل ضئيل، ولكن ما إن عرضت طائفة من متقن الرسوم حتى قلت الكلمة التي سمعتها ممن زاروا المعرض قبلي وهي: «إنه أحسن كثيرا مما كنت أتوقع.»
مرضية النظرة الأولى في الردهة الكبرى لجامعة المحبة والغرف الأربع المحيطات بها، وقد تغطت منهن الجدران طولا وعرضا، ولم أكن أدري أن للطائفة القبطية شغفا بالرسم، غير أن العارفين يقولون: إن هذه المعروضات إنما هي لبعض الغواة من رجال ونساء، وإن الآخرين لم يعرضوا لوحاتهم. أما المحترفون - وهم عدد يذكر على ما قيل لي - فقد أبوا الاشتراك في المعرض؛ لأنهم اشترطوا ما لم يتم الاتفاق عليه.
لا يلوم هؤلاء من يدرك قيمة العمل والجد لنيل غاية بعيدة، ولكل مطالب تقاس عنده بما بذل من سعي ومجهود. على أننا كنا نود أن يتم الاتفاق على ما يرضي الغواة ولا يغضب السادة المحترفين؛ حتى ينجلي للجمهور مظهر صادق من الحركة الفنية عند إخواننا الذين يبالغون في التكتم وإخفاء أساليبهم وميولهم عن غير الأقباط.
لم يكن ثمة ما هو منقول عن الطبيعة مباشرة أو معبر عن فكرة شخصية إلا رسمان اثنان، إلا أن من الرسوم المنسوخة عن رسوم موضوعة من تماثيل ونقوش وفوتغرافيات ومناظر طبيعية، كان حسنا، ومنها ما هو دقيق الإتقان سواء في التفاصيل والإجمال، وكل من سعى لإقامة هذه الندوة وعمل في تنسيقها وترتيبها يستحق جزيل الشكر؛ لأنه كان مشجعا فكرة صالحة ومعززا قيمة الفن بين ظهرانينا. ومما يغتبط له بنوع خاص أن قسما يذكر من هذه المعروضات (النصف تقريبا) من صنع السيدات والأوانس، وهو شيء لم نكن نتوقعه مطلقا وتسرنا منه المباغتة اللطيفة. وقد كان هناك غرفة خاصة بإحدى الأوانس، وقد غطت نقوشها ورسومها الجدران الأربعة. وفي غرفة أخرى كنت ترى جمهورا من الفتيات يتناقشن ويتسامرن ويسارقن الزائرين النظر آونة بعد أخرى، ولو علمت أنهن صاحبات الرسوم المعروضة لأدركت معنى تلك النظرات الخفية.
إن هذا المعرض التجريبي مقدمة لتحقيق آمال كبيرة إن شاء الله. لقد قلد إخواننا فكانوا متقنين، ونسخوا فكانوا مجيدين ونائلين من مثل رئيس مدرسة الفنون الجميلة في هذه العاصمة كلمات التشجيع والإطراء. فهيا الآن إلى الإبداع والابتكار واستيحاء الطبيعة والحياة مباشرة بلا وسيط! نظرة عين أو ثنية شفة، أو دمعة ترتعش على حافة الجفن، أو سحابة تذهب حواشيها أشعة الشمس، أو خيال من خيالات السرور والأسى والشوق والتمني. كل معنى مهما يكن هزيلا ينقلب أثرا فنيا بعمل المخيلة المبدعة والريشة الخالقة، وكلما عالج الفنان التعبير عن ذاتيته نمت تلك الذاتية واتسعت، وقد أصبح باب المقابلة والمسابقة والمفاضلة مفتوحا، وكثرة المترددين على الندوة تنبئ باستعداد عند الجمهور لدرس الأعمال الفنية وتقديرها.
أي شيء أجمل من الفن، وأي شيء أقدر منه على تصفية النفس وترقية الميول وتطهير الأفكار وتنقية العواطف؟ وإذا انفتح ذلك الباب؛ باب الغبطة المعنوية، فهو لا يغلق أبدا، بل يعبره المرء إلى عالم جديد تملأه مسرات (وآلام!) تتضاءل أمامها المسرات والآلام الأخرى.
نرجو أن يقام هذا المعرض كل عام، ونرجو أن يحقق الآمال، كما نرجو أن لا يكون في المستقبل قبطيا صرفا بل مصريا كل المصرية؛ لأنه كما يتيسر الإخاء في أفق الوطنية، كذلك هو ميسور في جميع الدوائر السامية؛ دوائر الخير والعلم والفن والفلسفة.
1
2
Página desconocida