Entre mareas y corrientes: Páginas sobre lenguaje, literatura, arte y civilización
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Géneros
جئنا الهند منذ ثلاثة شهور تقريبا، وهو وقت قصير جدا لمن يتلمس المعنى الجوهري من حياة متشابكة مرتبكة في مثل هذه البلاد العظيمة المترامية الأنحاء، ومع ذلك يمكننا أن نخبرك ببعض ما رأيناه وشعرنا به خلال هذه المدة.
الهند - كبلادنا الأميركية - في تطور، وهي الآن تجتاز أزمة سينتج عنها خير كثير للهند نفسها وللعالم أجمع. جئناها والروح مشبعة من روح ثقافتها القديمة، فوجدناها في القرن العشرين مجاهدة تتنازعها مشاكل القرن العشرين؛ النشء الجديد فيها جاد حار، ونراه راغبا في تأدية خدمة صالحة للنفع العام. العادات هنا بسيطة والأساليب الحيوية خالية من تكلف الرسميات، إلا أن أثر الفكر الغربي آخذ في إيجاد التضاعف والتركيب فيها شيئا فشيئا. وترين الهندي بوجه عام حساسا رقيقا يتأثر بسرعة ويلبي بكل إخلاص نداء الجود، ويبادل عواطف المحبة بكل صفاء.
يخيل أنه انحط بعض الشيء على كر الأجيال، لكن ليس في جميع القبائل؛ فالماراثا نشيط مستقل يتكل على نفسه، والبنجابي شديد محب للحرب وإن كان في وسعه أن يصرف قواه في غير المكافحة والقتال، وهو أمر أثبته في «أمريتسار» خلال فترة اللاتعاون. أما البنغالي فهو أضعف من هذين بنية، وهو رقيق لطيف ذكي طاهر القلب سامي الفكر، ومنه تلقى الفن الهندي نفحة الانتعاش، وهو الذي أوجد في الآداب نزعة التجدد والتحسين.
أما فقدان قيادة غاندي الشخصية فظاهر كل الظهور، وأمثال س. ر. داس موفورو الإخلاص والكفاءة، إلا أنه ينقصهم مغناطيس المهاتما ومواهبه الروحية. على أن الشعور جلي بأن غاندي تكلم فأرسل نفحة من روحه العظيمة، وأن هذه النفحة تبحث لذاتها عن طريق في حياة الهند، وأما الاتحاد بين المسلمين والهندوس فليس على ما يرام، ولهذين الفريقين دروس لا بد أن يتعلمها أحدهما على الآخر قبل أن يتفاهما ويتحدا الاتحاد الأمثل، ورغم ذلك فهناك فكرة مستقيمة تتمشى وتنمو في سبيل الاتحاد المنشود وتقدره وتعمل له، وهذا بلا ريب أهم أغراض غاندي.
أما تاغور ومدرسته «سانتنكتان» فخميرة فعالة في عجين الهند. كان فن الهند منذ قرن على لا شيء من الإبداع تقريبا، إذ كان قاصرا على النقل والتقليد، فأرسل تاغور صيحة في الهمم الخامدة ، وما فتئ ينادي بالهند لتجود بما لديها، وتسعى لتوحيد ثقافتها والترابط الفكري والأدبي مع سائر أنحاء آسيا. عندئذ - يقول تاغور - يمكننا أن نعود إلى الغرب مقتبسين خير ما في حضارته فلا تشوهنا؛ لأننا نكون مرتكزين على حضارتنا القومية.
فكر تاغور فكر بديع التآلف، محكم التركيب، بعيد المرمى، هو الفكر الشرقي المحض الذي لم تفسده نزعة سطحية أو زخارف غريبة، ولكن الرجل مع ذلك لرحابة قلبه واتساع عواطفه يدرك الجيد الحسن من جميع الجوانب، ويقدر ما فيه من إنسانية صادقة ...
و. ب.
هذا الحديث عن الشرق الأقصى ما أحراه بأن يكون عن شرقنا الأدنى، لو نحن استطعنا أن نوجد لنا اسمين متوافقين كاسمي رسولي الحرية السياسية والأدبية في الهند.
لقد أطلق سراح غاندي في أوائل فبراير الماضي، وما إن غادر المهاتما سجن يرودا حتى أرسل منشوره الأول بشكل خطاب إلى محمد علي رئيس الجامعة الهندية الوطنية الكبرى فعبر فيه عن عقيدته الوطنية ورغباته وآماله، قال: إنه يعلم أن الحالة الآن أشد قلقا مما كانت يوم دخوله السجن، وقال: إنه ما زال يعتقد أن طريق الحرية والاستقلال هي؛ أولا: في الاتحاد بين الهندوس والمسلمين والسيخة والمجوس والنصارى. ثانيا: في مداواة فقر الهند بالاتكال على مغازلها وإنتاجها؛ لأنه مقتنع بأن المغازل وحدها هي التي تنقذ الهند من موتها الاقتصادي الذي تجود فيه بنفسها.
ثالثا: في التزام السلم في القول والعمل والفكر، «وهي أسلحة لازمة لنا للوصول إلى غايتنا»، ويعتقد أنهم «لو عملوا بإخلاص لما احتاجوا إلى المقاومة السلبية، التي يرجو أن لا يحتاجوا إليها، وإن كانت مؤثرة وحقة، وإنها حق من حقوق الأمة والفرد، بل واجب إذا هددت حياتهما بالخطر.»
Página desconocida